«هاهو ذا نصرنا فخذوه.. وتقيئوه لنا هزيمةً نطأطئ لها ما ارتفع من رؤوس»، هذه العبارة قلت لنفسي أن أتكفل إيصالها للكيان الصهيوني بشكل مباشر، نيابةً عن «إعلامنا العربي»، فقد لمست فشل وقصور أدواته عن قولها بطريقة المواربة وخجل العذارى الداعيان للتقزز والاشمئزاز، فآثرت إذ ذاك أن أصدح علناً بما يهمسون به سرّاً. ما أردت التحدث عنه اليوم؛ هو الذكرى الثالثة لانتصار المقاومة اللبنانية في حرب تموز على العدو الإسرائيلي، أردت الحديث عن معركة وادي الحجير وعن مارون الراس وعن عيتا الشعب.. لكن؛ ولأن «الرياح جرت كما لا أشتهي» فضلت الإبقاء على محور المقال -وهو انتصار المقاومة- على أن أتناوله من زاوية مختلفة.
طوال الأسبوع الماضي وخلال متابعتي لمحطاتنا وصحافتنا العربية، كنت أتمنى أن أشاهد أو أقرأ انتصار تموز كما حدث فعلاً، أقصد أن تعاد الذكرى أمام المشاهد والقارئ العربي بأبعادها الحقيقية، كمناسبة تستحق أن تكون عيداً تحتفل فيه كل الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج، لكن مع الأسف؛ مرّ الانتصار عند البعض (مروراً اعتباطيّاً) على طريقة «كأن شيئاً لم يكن»، وعند البعض الآخر كذكرى مناسبة لـ«دس السم بالدسم». ولمن يسأل كيف كان وقع المناسبة في الجانب الإسرائيلي؟ أجيب أن إعلامهم تناولها كـ«انتصار»، لكن هذه المرة أنّ إسرائيل هي من انتصرت وليست المقاومة! نعم؛ فاليوم يتحدثون في الإعلام الإسرائيلي -وبعد ثلاث سنوات من اعترافهم بالهزيمة- بنبرةٍ يقينية أنّهم انتصروا! فهم يعتبرون أن هدوء جبهتهم الشمالية انتصاراً! وأن عدم خروج السيد نصر الله علناً انتصار! والقرار 1701 انتصار!.. اليوم؛ وخلافاً للعام الماضي والذي سبقه لم يعد هناك وجود لكاتب إسرائيلي مثل (عوفر شيلح) يتحدث عن «عقلية إسرائيلية وطريقة تفكير ساذجة تتحكم في صنع القرار أكثر من المعلومات الإستخباراتية».. هذا أصبح في عداد الموتى، فالجميع مشغولون بالترويج للنصر الزائف، رغم أنهم لو تمكنوا من إيقاظ (شارون) نفسه لما تجرأ على إعادة حماقة الـ2006، فلنا تخيّل بهذا نوع النصر الذي يلوكه إعلامهم. بالتأكيد ذلك ليس مستغرباً، ليس لأن مصدره إعلام العدو، بل لأننا نملك اليوم ضمن جوقة «إعلامنا العربي»، أصواتاً تتستر تحت ظل التحليل الاستراتيجي والموضوعية وتروّج بمنتهى الصفاقة لفكرة «انتصار إسرائيل وهزيمة المقاومة»، ولم يكن ذلك عبر وسيلةٍ إعلامية محلية أو كاتب مغمور، بل كان عبر أكثر المحطات والصحف «العربية» متابعةً، ومن خلال أشهر الكتاب والمحللين! ضمن هذه الهيستيريا الإعلامية، سؤالٌ واحد كان يلح عليّ دون غيره، ما الذي حدث لنفعل هذا بأنفسنا؟ ما الذي حدث حتى نعيد نصرنا ملفوفاً بأكفان سوداء لعدونا الذي هزمناه باعترافه هو نفسه؟! حقيقةً؛ لا أدري.. لكن ما أدريه بحق هو أننا بتنا شعوباً أدمنت فكر الهزيمة حد «المازوخية» ونكران الذات، وأصبحنا نسلّم بضعفنا كبديهيّةٍ مقدّرةٍ علينا من السماء السابعة لا حول ولا قوة لنا بردها! وإن كان ثمة من يرون أن هذا الأمر ليس واقعاً متجسداً في حياتنا الراهنة، أقول لهم: ماذا نسمّي إذاً استماعنا لـ(هيكل) كل أسبوع وهو ينظّر لهزيمة حزيران كشيء كان (لا بد وأن يحدث) بعد مضي أكثر من أربعين سنة، ولا نجد (هيكل) آخر ينظّر لانتصار تموز بالمستوى نفسه بعد مرور ثلاث سنوات فقط؟! ماذا نسمي اليوم وجود عشرات المنظّرين للمرحلة الناصرية رغم اعتمادها مبدأ «التجربة والخطأ»، ولا نجد بالمقابل من ينظّر لتجربة المقاومة رغم اعتمادها استراتيجيات وخطط تدرّس في معاهد الدراسات السياسية الغربية؟! لماذا نجد بعض الدول والمؤسسات العربية تستعير اسم مقاوم أو مبدع أجنبي.. لتسمي جائزةً على اسمه تنفحها أحدهم كل عام، ولا نجد أيّ دولةٍ أو مؤسسة عربية بالمقابل تتجرّأ على تسمية جائزتها باسم سيد المقاومة حسن نصر الله؟! الإجابات عن هذه الأسئلة سأتركها لقياصرة «إعلامنا العربي». قبل أيام؛ كتبت في المكان نفسه (أنا حزين..)، وكنت أتمنى أن أكتب بعدها زاويةً أتحدث فيها كما أسلفت في البداية عن تجربة المقاومة الناجحة في تموز، لأعبر من خلالها عن مدى سعادتي بالانتصار الذي تحقق للعرب جميعاً.. إلا أني وقد فجعت بتناول «إعلامنا العربي» للمناسبة، وتصديره -دونما استحياء- نصرنا لإسرائيل كما وأنه يقوم بعملية «ترانسفير» لما هو ملكٌ لنا جميعاً، ولأني أجد (هيكل) القديم سجين الستينيات ولا هيكل جديد يلوح بالأفق، ولأن لا بوادر ملموسة لظهور جائزةٍ من قبيل «جائزة نصر الله» للسلام أو للحرية في عالمنا العربي.. ولأني أجدهم في إسرائيل فرحين بما آتاهم صغار العرب من نصرٍ مزوّر كعربون «نوايا حسنة»؛ ولأن، ولأن.. أقولها آسفاً من جديد: أنا حزين!
http://www.dp-news.com/pages/detail.aspx?articleId=14636
http://www.dp-news.com/pages/detail.aspx?articleId=14636
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق