2011/05/04

المجاملة... طعمها لذيذ شرط ألا تبتلعها

ياسر قشلق
(ياسر قشلق)
لطالما حاولت تلافي تقديم إجابة عن سؤال بعض المقربين مني والمتعلق بالأسباب الكامنة وراء غوصي بالعمل السياسي، حيث اعتبرت أن إجابتي على سؤال كهذا ستكون «ساذجة» لا يمكن تبريرها بأي حال من الأحوال، لكن السؤال مؤخراً بات ملحاً أكثر، خاصة مع وصف بعضهم لتعاطي الإعلامي مع بعض الشخصيات والقضايا السياسية بأنه «حاد» وأحياناً «إشكالي»، الأمر الذي يفرض عليّ اليوم تقديم إجابة، وإن مختصرة، عن سؤال كنت أرى أنه لا يعنيني.


للحظة من اللحظات تبدو سلسلة الأسئلة التي تبدأ بـ«لماذا» تعمل بالسّياسة؟ ولا تنتهي بـ«ماذا» ستضيف؟ مبررة منطقياً، لكن على مستوى ضيّق جداً وذلك لضيق الرؤية النقدية نفسها، فصحيح أني أبدو للبعض «رجل أعمال» لا شيء يدعوه لإحاطة مشاريعه بجو من التوتر يفرضه العمل السياسي.. لكن الصحيح أيضاً أن «رجل الأعمال» هذا يحلم أن يعمل يوماً على أرض، انتماؤه لها «افتراضياً» يذبحه في كل أرض لا تنتمي إليه! والأصح أن فلسطينياً سلخ عمره بعيداً عن تراب وطنه، وهو يحمل أبشع صفة بالعالم: «لاجئ»، لا يُسأل عن «قصّته مع السياسة»، لأنه «قصة السياسة» نفسها... وفلسطيني يرى أن ذاكرته الفلسطينية تسرق، وبأيدي الفلسطينيين أنفسهم، لا يُسأل «ماذا سيضيف لقضيته» لأنه القضية ذاتها من ألفها إلى يائها!..

الأهم من ذلك كله بنظري هو كيف يمكن لـ«رجل الأعمال الفلسطيني» أن يمارس أعماله بعيداً عن السياسة، وهو فاقد لهويته الفلسطينية؟ الهوية بالمعنى الطبيعي والمعتاد للمفهوم الرسمي والذي يمارسه العالم بأسره. نعم، يمكن لرجل الأعمال في أميركا أو الصين أو حتى في الكونغو أن يقتصر نشاطه على الأعمال فقط، إلا أن مطالبة الفلسطيني بذلك تتحول إلى نوع من الظلم والتجني، بل حتى التآمر على أضعف ما يمكن أن يُقدمه رجل عشق وطنه فلسطين وأحب أن يعبر عن ذلك العشق بصوت مرتفع دون مواربة.
فلنتأمل اليوم المشهد السياسي المحيط بفلسطين جيداً قبل تداول أسئلة ساذجة وسخيفة حول أحقية العمل السياسي، ولنرجع لتوضيح الرؤية أكثر إلى سبعينيات القرن الماضي حين استعادت مصر أراضيها من خلال التفاوض مع إسرائيل ووصفت ذلك (تحريراً) ووصفه العالم العربي (خيانة)، وإلى عام 2000 أيضاً حين استعاد لبنان جنوبه من خلال مقاومة إسرائيل ووصف العالم بأسره ذلك (تحريراً)، أرجع بالذاكرة إلى هاتين الحقبتين لأقول: إن الساحة الفلسطينية امتلكت على مدار ستين عاماً ما اعتبره العالم مفاوضين ومقاومين، وبأشكال مختلفة من شيوعيين إلى إسلاميين، لكن، ومع الأسف، أن أرضاً لم تُستعد وتحريراً لم يحدث، وصولاً إلى اليوم الذي أصبحنا نفتقد فيه مبررات التفاوض وأدوات المقاومة.
أوليس مبرراً لنا، والحال السياسية في فلسطين على هذه الصورة المحبطة من السكون المحير، أن نبدي رأينا في قضيتنا؟ أليس من حقنا كرجال أعمال فلسطينيين دعم وجودنا في أرضنا لنواجه ما يفعله رجال الأعمال الصهاينة من بناء مستوطنات وتوريد أسلحة؟ ألا يحق لنا، سواء كنا رجال أعمال أو مثقفين أو أي شيء آخر، أن نثور على اختزال قضيتنا في خلافات فتح وحماس وأن نبدأ الحديث عن أحزاننا بتفاصيل تكون أكثر تعبيراً عن آلامنا؟ ألا يحق لنا أن نمارس السياسة وقد ولدنا سياسيين؟ أما عن طريقة تعاطي (الحاد والإشكالي) مع بعض الشخصيات والقضايا السياسية، كما يصف ذلك البعض، فأسأل: ألم نمل بعد من المواربة والكذب على أنفسنا؟ ألم نكتف من مجاملات الصالونات الفارغة في أوروبا وأميركا؟
إن المجاملة، كما يقول الكاتب الفرنسي ستيفنسون (طعمها لذيذ شرط ألا تبتلعها)، وفي تصوري حان الوقت الذي نتوقف فيه عن التعاطي مع فلسطين بهذه الطريقة البشعة، ففلسطين ليست ملك أحدهم حتى نجامله نحن ويبتلعها هو!
ثم لا يعقل أن أجامل أحداً بشيء يتصل بفلسطين، ولطالما كنت أقول بمناسبات لا ترقى أبداً إلى مستوى هذه القضية: إن الصدق والصراحة يجعلانك عرضة لأذى الآخرين.. كن صادقاً وصريحاً رغم ذلك.
قضيتي ببساطة فلسطين، وأنا كرجل أعمال يمكنني إحاطة مشاريعي بعشرات الاختصاصيين والخبراء ممن لهم القدرة على إدارة أعمال أفضل مني، لكني لن آمن بعد اليوم على قضيتي أحداً غيري، فلا وجود لسياسي في العالم يتعاطى مع فلسطين أفضل مني، ولا وجود لقلم في العالم يعبر عن أحزان فلسطين أفضل من قلمي.

هناك 3 تعليقات:

رسالة لك يقول...

أعذرهم يا استاذ ياسر

فلسطين بالنسبة للشرفاء هي وطن هي شعب هي مقدسات هي هويتنا العربي

ولكن بالنسبة للخونة (وعذرا" فلسطين ) ليست إلّا كلمة في كفة ميزان ترجح عليها الكفة الأخرى المليئة بالنفوس الشتراة بحفنة لا تتعدى السنتينات

لا تحتاج الى اعداد
فالقضية تحتاج الى نوعية

لك القبعة تنحني ولمقالك

رنيم يقول...

بكل فخر وبكل اسى اجل لا يوجد في العالم من يتعاطى مع فلسطين افضل منك ولا وجود لقلم يعبر عن آلامها بكل هذا الحب المجروح الصارخ مثلك انت انت فلسطيني بحق

منى _ديرالزور يقول...

بقلمك وبصوتك الجرئ وبتصريحاتك النارية التي لا تجامل أحد أصبحت فلسطين قضيتي أنا ايضا وإن لم أكن فلسطينية الجنسية ولكني عربية الهوية وسورية فعندما يكون للإنسان هدف يصبح للحياة معنى آخر وكيف إذا كان الهدف فلسطين فنحن نريدك أن تكون سياسي وعلى كل فلسطيني ان يكون كذلك ولتبقى القضية امامنا وعلى كل النابر وفي كل الفضائيات الشريفة والمواقع الحرة .منى