2011/02/14

رسالة إلى أبي..

ياسر قشلق

(ياسر قشلق)
لم تكن لديهم غرف عملياتٍ تحت الأرض مثل أهل فيتنام. ولم تكن لديهم بنادق (آلية وغير آليةٍ معطوبةٌ أو سليمةٌ) من الاتحاد السوفييتي (الصديق أو العدو) كما كان لثوار الشيشان. ولم تكن لديهم أيضاً كتب ماركس ولا بيانات الشيوعية كالكوريين. ولم يلبسوا بدلاتٍ (خاكية) اللون مستوردةٍ من كوبا. ولم يكن ولم يكن.. لكنهم انتصروا يا أبي..!! انتصروا حين وقّعوا على ثورتهم (صنع في مصر). انتصروا حين عاشوا الثورة كثقافة حياة لا كفنٍّ لتعلم رقصة الموت. انتصروا..


كم خدعت يا أبي الطيب، سنين طويلة وأنت مرابطٌ في ذلك الجنوب القصيِّ خلف حائطٍ مهدم تحسب أنك تثور لأجل الحصول على وطن، كم كنت طيباً فبختام ثورتك لم تجنِ سوى عكازٍ تسند بها قدماً عرجاء ومجموعةً من الصور القديمة وكوفية وحبل بندقيتك المقطوع. سنين طويلة من الثورة ولم تطأ حتى أرض الوطن. كم كنت طيباً يا أبي لكن الثورة لا تحتاج إلى طيبة.. ولا شعارات ولا مؤتمرات.. ولا إلى كل هذه الدماء لنكون شهداء على سلام الأعداء.. ربما الثورة كانت تحتاج إلى قليلٍ من الإعلام كقناة الجزيرة، وكثيرٍ من الدعاء أن تنال ثورتنا رضاها، فتكون عندها من المقبولين.
(أنظر معي يا أبي هل ترى قناة الجزيرة وهي تعرض الوثائق السرية كلها... وتنسى وثيقة سرية واحدة.. خلف ذاك المذيع خارطة كتب عليها إسرائيل.. ونحن درسنا في الثورة أنها اسمها فلسطين.. وكنا نرسمها عن ظهر قلب... فلسطين الوطن وفلسطين الهوية..).
صدّق يا أبي الثائر، فالثورة أبسط بكثيرٍ مما كنّا نعتقد، كلُّ ما تحتاجه ميداناً مفتوحاً على السماء لا يحجب نور الشمس كالغرف السرية العفنة، وصوتاً بشريّاً هادراً لا يشبه دويَّ المدافع، وشعاراً بسيطاً كالذي حملوه لا شعارات مترجمة، تحتاج الثورة يا أبي إلى ثيابنا اليومية البالية لا إلى ثيابٍ غير لائقة ببشرتنا السمراء. الثورة بسيطةٌ جداً.. فصدّقني يا أبي.. صدقني يا أبي!!
أوتعلم؟! سقط القناع يا أبي.. وكم أخجلنا سقوطه، فقد اكتشفنا كم نحن دميمي الوجوه، اكتشفنا حقيقة ما كان يخفي وراءه من كذبٍ ومكرٍ وخداعٍ للذات، اكتشفنا أن الثورة لا تعني البقاء ثلاثة وستين عاماً في حالٍ من الهياج المستمر فثمانية عشر يوماً كانت تكفي لو كانت صادقة. اكتشفنا أن الثورة لا تعني قائداً فذّاً لا شريكاً لقراره في تحديد مصيرنا فمجموعةٌ من الحقوق العادلة لتقود الثورة كانت تكفي لو أمنا بها. اكتشفنا أن الثورة لا تحتاج إلى أبواقٍ تصنّف من يتضامن معها ومن يتآمر عليها فنزول الميدان يكفي لو عرفنا معناه.
تعلّمنا الدرس يا أبي وسنثور مجدداً. سنرد كل أنواع الثورات التي جلبناها من آسيا وأوروبا الشرقية وأميركا اللاتينية إلى أصحابها مع كلمة شكرٍ أو دون، وسنصنع ثورةً محليّةً من دون أيديولوجيات ودون مصالح ودون قادة، سنجد ساحةً شبيهةً بميدان التحرير الشامخ نصعد إليها من غرفنا المعتمة. لن نأخذ معنا أسلحتنا.. لا البيضاء ولا الحمراء، وسنرمي جميع الأدوات الحادة حتى أقلام الرصاص، وسنرفع شعاراً يبدأ بـ(الشعب يريد..). سنصنع ثورتنا، وسنكتب عليها (صنع في فلسطين) وسنفخر بصناعتنا الوطنية. وسنثور. وستفخر بثورتنا يا أبي. فثورتنا ستنتصر هذه المرة. وسيسقط من خدعوك وخدعوني أيها الثائر.



جريدة الوطن السورية

هناك 5 تعليقات:

injazy.com يقول...

بسم الله الرحمن الرحيم
(ان الله لايغير ما بقوم حتى يغيرو ما بأنفسهم )
صدق الله العظيم
شكرا استاذ ياسر على مقالتك المعبرة
فهؤلاء العظماء كان سلاحهم الايمان بأنفسهم و رغبتهم بصناعة الغد المشرق
و يجب ان نتعلم الدرس منهم ، لندرك ان عودتنا باتت اقرب.
شكرا استاذ ياسر لانك دوما على الحدث كما عهدناك ترقبه و تنظر اليه بتمعن لنتعلم منه العبر .

حسن السعدي يقول...

صحيح....... فان الثورة ولدت من رحم فلسطين وانعش انفاسها من ياسمين تونس وزفت عروس في ميدان مصر

dareen يقول...

فلتعلم أيها الرجل الثائر بأنّك فخر القضيه كما سنفخر بصناعتنا الوطنيه فخر لكل مواطن صالح لكل أب وأم لكل مناضل لكل شعبنا المكافح
تتابع الأحداث بشتى أنواعها واهبا" كل أوقاتك باحثا" عن الطريق الأنسب لتحقيق أهدافنا ألا وهي الثوره حتى التحرير تحرير كل شبر من أرضنا المحتله والعوده الى أحضانها
فحلمك هو حلمنا جميعا" تسعى ونسعى معا" بكل جوارحنا لتحقيقه في 30 اذار يوم التحرير..يوم الثوره حتى النصر حقا" بالفعل والتعبير...

غير معرف يقول...

فلتعلم أيها الرجل الثائر بأنّك فخر القضيه كما سنفخر بصناعتنا الوطنيه فخر لكل مواطن صالح لكل أب وأم لكل مناضل لكل شعبنا المكافح
تتابع الأحداث بشتى أنواعها واهبا" كل أوقاتك باحثا" عن الطريق الأنسب لتحقيق أهدافنا ألا وهي الثوره حتى التحرير تحرير كل شبر من أرضنا المحتله والعوده الى أحضانها
فحلمك هو حلمنا جميعا" تسعى ونسعى معا" بكل جوارحنا لتحقيقه في 30 اذار يوم التحرير..يوم الثوره حتى النصر حقا" بالفعل والتعبير...

غير معرف يقول...

فلتعلم أيها الرجل الثائر بأنّك فخر القضيه كما سنفخر بصناعتنا الوطنيه فخر لكل مواطن صالح لكل أب وأم لكل مناضل لكل شعبنا المكافح
تتابع الأحداث بشتى أنواعها واهبا" كل أوقاتك باحثا" عن الطريق الأنسب لتحقيق أهدافنا ألا وهي الثوره حتى التحرير تحرير كل شبر من أرضنا المحتله والعوده الى أحضانها
فحلمك هو حلمنا جميعا" تسعى ونسعى معا" بكل جوارحنا لتحقيقه في 30 اذار يوم التحرير..يوم الثوره حتى النصر حقا" بالفعل والتعبير...