2011/08/07

درويش.. من شارون إلى فراس إبراهيم

ياسر قشلق
(ياسر قشلق )
قال رئيس وزراء العدو الصهيوني الأسبق أريئيل شارون مرةً: إنه «يحتفظ بكل أعمال الشاعر الفلسطيني محمود درويش، ويقرأها باستمرار فهو يعتبرها رحلةً في وجدان الشعب الفلسطيني ذاته تلخص رؤية وتطور القضية الفلسطينية في ضمير هذا الشعب»..
شارون تعاطى مع أعمال درويش باعتبارها «رحلةً وجدانية»، فهل ينفع هذا الاختزال المنتج فراس إبراهيم في تقديم عملٍ درامي عن قامةٍ اختزلت بالفعل القضية وأهلها بشهادة أعدائه قبل محبيه؟ 



«في حضرة الغياب» مسلسلٌ يدّعي صاحبه، فراس إبراهيم، أنه «رحلةٌ» مع شاعر الأرض محمود درويش وليس سيرةً ذاتيةً عنه، وهو ادّعاء يفهم منه استباق أي تهمةٍ توجه لإبراهيم بتشويه شخصية درويش على مبدأ «يكاد المريب يقول خذوني»، لكن هذا الادعاء رغم محدوديته لم تستطع أولى الحلقات التي عرضت في أكثر من فضائية عربية، ومنها فضائية فلسطين، أن تثبته.. بل إنها أثبتت العكس تماماً، فقد عرضت رحلةً مع شخصية أخرى لا تطاول بالمرة القامة المنوي أساساً استثمارها درامياً، وهذا الكلام قاله مقربون من درويش، وهؤلاء لم تفلح بعد سنوات غياب الشاعر القليلة أن تغيبه عن وجدانهم، بل لا زالت قصائده تتردد في مسامعهم ورجع صداها يقول: إن شاعركم لا زال بعيداً عن «حضرة الغياب».


المنتج يقحم شاعر الأرض رغماً عن أنفه بثنائية الفن المتمثلة بـ«الخير والشر» ويحذّر المشاهدين من أن درويشهم «لن يظهر بصورة ملاك»، بل ويستبق كل هذا بالادعاء أنّه أنفق على المسلسل نحو أربعة ملايين دولار أميركي، أي أنه كان كريماً بالإنفاق على الشاعر والكرم يا محبي درويش يستر تسعاً وتسعين علةً يرى المنتج أن منها هو فشله الفني!! 

بالتأكيد فإن الشاعر الكبير محمود درويش ليس ملكاً لأحد، حتى إن أخيه الكبير أحمد درويش حين أبدى تحفظاتٍ على السيناريو المكتوب عن أخوه قال إن أسرته لا تستطيع الوقوف بوجه أي عمل يتناول شاعر الأرض نزولاً عند حقيقة أن فلسطين بما تعنيه هذه الكلمة في وجدان الفلسطينيين والعرب هي أسرة درويش الحقيقية. أكثر من ذلك؛ وللمفارقة الساخرة محمود درويش يقول عن نفسه حين خرج من غيبوبته الشهيرة التي بدأ منها المنتج عمله: «أنا لست لي..»، ومعنى هذا الكلام أن أي تشويهٍ يلحق حياة درويش يعني تشويه ما مثّله درويش نفسه وما دافع عنه طوال حياته من معاني وتجليات فلسطين نفسها، فهل أدرك يا ترى إبراهيم «ممثلاً ومنتجاً» وأنزور «مخرجاً» ويوسف «كاتباً» هذه الحقيقة قبل أن يقدموا على تقديم درويش مشوهاً ومعطوباً بعشق «ريتا»؟ بل هل أدركوا أن امتلاك المال وحده لا يعطي الحق لأي جهةٍ باحتكار شخصيةٍ أصبحت رمزاً وطنياً وثقافياً لحياة وتاريخ شعبٍ مناضل كالشعب الفلسطيني؟! 


غنيٌّ عن القول، ربما، أن غياب قوانين عربية صارمة تختص بحماية إرث الشعوب العربية الثقافي والسياسي والاجتماعي يؤدي حتماً إلى تسلّط البعض على هذا الإرث واستثماره في صفقاتٍ يبدو حب المال والشهرة المحركان الأساسيان فيها، ولو كانت هذه الجهات حريصة فعلاً على مكانة من تقدّمهم لما أقدم منتج مسلسل «في حضرة الغياب» على إيكال مهمة كتابة سيناريو المسلسل للكاتب حسن سامي يوسف وحده، والذي مهما بلغ من قدرات، ونحن لا نشكك فيها، فإنه لن يستطيع تحييد انطباعه الذاتي عن الشخصية التي يتناولها، ولو علمنا مثلاً أن مسلسلاً أميركياً بسيطاً مثل مسلسل "Grey's anatomy" كتب السيناريو له اثنان وثلاثون كاتباً يمكننا أن ندرك مدى الاستهانة المبيتة للقائمين على العمل بقامة الشاعر محمود درويش.

إن القائمين على العمل يدركون هذا الكلام أكثر من قائليه، يعلمون أنهم سيواجهون نقداً لاذعاً على ما قدّموا وقد استبق المنتج فراس إبراهيم عرض المسلسل بالقول إننا «سنواجه نقداً واسعاً لأن الشخصية التي نقدمها جدلية»، وأيضاً استبق المخرج نجدة أنزور العرض بأن قال في لقاءٍ على الفضائية السورية بأنه «دُعي لإخراج العمل، ولا دخل له باختيار فراس إبراهيم للعب شخصية درويش»، هم يعلمون هذا، ويعلمون أيضاً أنه لا وجود لقوانين يمكن أن تحاسبهم على ما قاموا به من تشويه، لذلك ستجدهم ينامون قريري العين يحصون ما حصدوه من تجارتهم بذاكرة محبي محمود درويش، وهم بالتأكيد لن يهتموا بكل البيانات الداعية لإيقاف عرض المسلسل ومقاطعته طالما أن أيّاً منها لن يتطور لمحاسبتهم بشكل شخصي، وأيّاً منها لن يطالبهم بدفع تعويضٍ يفسد عليهم فرحتهم بنجاح تجارتهم، وبناءً على ذلك يجب أن تصب الضغوط تجاههم هم باعتبارهم المذنبون الحقيقيون وليس على الفضائيات التي اشترت العمل ولا وجه حق يدعوها لإيقاف عرضه. 



لو كان مقدراً لشارون أن يستفيق من غيبوبته ليرى مسلسل «في حضرة الغياب»، لأدرك فارقاً آخراً بيننا وبينهم وهو المهووس بالمقارنة بين الصهاينة والعرب، نحن نهين رموزنا ونستخف بهم إلى أبعد حدود، بينما هم يولون رموزنا «رموزنا وليس فقط رموزهم» اهتماماً ومكانةً عظيمتين!!

رحم الله درويشنا..


هناك 3 تعليقات:

منى الرشيدي يقول...

رحم الله درويشنا ..

آلاء العظم يقول...

قناة الجزيرة "الحقيرة" سمحت لنفسها إلغاء جنوب السودان من خريطة الوطن العربي!!! يرجى مشاهدة خريطة الوطن العربي على موقع الجزيرة.نت تحت عنوان الثورات العربية وتسليط الضوء على هذا الموضوع من قبلكم...

عبير يقول...

عندما يصبح المال هدفا يصبح المبدأ سرابا وتسحق الرموز في دفاتر الشيكات
أيها المارووووون بين الكلمات العابرة
اجمعوا أشياءكم وانصرفوا........
آآآآآآآآن أن تنصرفوا......