2011/09/28

الأنبياء الجدد

ياسر قشلق
(ياسر قشلق )

كل أنبياء الله ورسله عُذبوا في الأرض.. وصمودهم وصبرهم أثناء تعذيبهم كان أبلغ الأدلة على صدق نبوءتهم.. كان "خصومهم" كلّما زادوا في طقوس تعذيبهم كلّما زاد عدد المؤمنين بهم.. وحين كانت تصل هذه الطقوس إلى ذروتها –صلب السيد المسيح وحرق النبي إبراهيم عليهما السلام- كانت تتحول أجسادهم إلى جسرٍ لعبور قوافل المؤمنين إلى الدين الجديد. 

سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كان خاتم الأنبياء والرسل. في شرقنا الأصفر اليوم لا نبوءات جديدة ولا أنبياء جدد. لكن هذا الشرق لم ينتهِ بعد، لا زال قادراً على اجتراح المعجزات، لا زال قادراً على تقديم أجساد غضة كقرابين انعتاق لتكون جسور خلاص للقانتين من رحمة بني جنسهم إلى ضفة الحياة الأخرى.. هناك.. حيث لا أمن ينفع ولا سجون إلا من أتى الشعب بصندوقٍ مبين.

بوعزيزي التونسي وخالد سعيد المصري وكثيرون غيرهم... لم يكونوا أنبياء بالمعنى اللاهوتي للكلمة، لكنهم كانوا أنبياء بمعنى الخلاص. جسد بوعزيزي المحترق لا يختلف كرمز عن جسد سيدنا إبراهيم. وآثار التعذيب على جسد خالد سعيد هي نفسها آثار التعذيب على جسد سيدنا المسيح. إنه الجسد البشري ذاته حين تغادره الروح معذبةً مقهورة على رؤوس الأشهاد ولا خيار لهذا الجسد –الجثة بنظر قاتليه- إلا التحول إلى جسرٍ للخلاص سواء أكانت الروح الذي غادرته روح نبي أو روح مواطنٍ في الدرك الأسفل من الحقوق. ألم يقل شارون مرةً أنه لم يقتل الراحل ياسر عرفات لأنه لا يريد مسيحاً جديداً في فلسطين؟! هل يعقل أن أعدائنا القادمين من أصقاع الأرض الباردة يفهمون المعنى العميق لوجودهم في أرض الرسالات الحارة أكثر من قتلة خالد سعيد؟!!

نبوءة بوعزيزي تحققت في تونس.. فهمها الفرعون الأكبر "زين الفاهمين" وهرب تاركاً لقطعان المؤمنين الجدد حرية ترتيب طقوس دينهم الجديد. أحزاب.. صناديق اقتراع.. مسلمون يتبنون أفكاراً للشيوعيين وليبراليون يسرقون خطابات السلفيين.. تونس خلية نحلٍ ضخمة للدين الجديد لكن التفاصيل لا تهم. المهم أن نبوءة بوعزيزي تحققت.

الأهم أن النبوءة انتقلت إلى مصر. لأول مرة بعد مرور أشهر على مقتل خالد سعيد يرى المصريون في جسده جسر خلاصهم، فيعبرون..

قل كذلك عن ليبيا.. وبعدها ولّ وجهك شطر أي ركنٍ من شرققك الأصفر لترى آثار الدين الجديد..

إصلاحات على قدمٍ وساق في الأردن وبشكلٍ يومي. المرأة تقود المملكة السعودية قبل حتى أن تتعلم قيادة السيارة. دستورية ملكية في المغرب. إصلاحات جذرية في البحرين... وغيرها الكثير الكثير من الانحناءات للدين الجديد.

شرقنا الأصفر لا زال يحتفظ بسحره.. ولا زال مصراً على حقه الحصري بتقديم الأنبياء حتى ولو كانوا أرضيين لم يهبطوا من فيض السماء.. غير أن درب الخلاص طويلة، وهي وإن فتحها الأنبياء الجدد لا بد لتعبيدها من وجود الصحابة.. لننتظر ظهور الصحابة..!! لكن حذار إن لم يظهروا أن ندّعي وجودهم أو أن نسمح لأحدٍ بلعبٍ دورهم فيسرق ديننا الجديد
.



ليست هناك تعليقات: