2011/10/30

هل بدء «الربيع العربي» من هجمات سبتمبر؟


(ياسر قشلق )
اليوم فقط أصبح بمقدورنا أن نجلس بهدوء ونشرب كوب شايٍ دافئ، ونعترف بأعصاب باردة بصدق مقولة: إن التاريخ قبل الحادي عشر من سبتمر لن يكون مثل التاريخ بعده.. المقولة صادقة حتى ولو كان قائلها بنظر مفكرينا «أخرقاً» برتبة سيد البيت الأبيض.

هذا الاعتراف لن يكون إقرار منا كعرب أو مسلمين بالهزيمة فنحن لم نعترف أصلاً أننا نخوض حرباً، وبطبيعة الحال لا يمكن أن نهزم بحربٍ لم نخضها! هكذا كان يردّد مفكرونا باستمرار منذ سقوط قرني التجارة العالمية قبل عشر سنوات وبدء الحرب العالمية ضدنا بوصفنا «الماصدق» الوحيد لمفهوم «الإرهاب». وهكذا كان: نحن لم نكن معنيين يوماً بنتيجة حرب لم نكن طرفاً بها.. فلم نتصرف يوماً خلال عشر سنوات خلت على أننا في أتون معركة..


كنّا نشاهد.. نعم.. بل كنّا نتلذّذ بالمشاهدة.. ونطلق النكات أيضاً..!! سقطت كابل فأصابتنا نوبة ضحك من مشهد المقاتلة الأميركية تلقي حمولةً بمليون دولار على خيمةٍ أفغانية ثمنها مئة دولار.. سقطت بغداد فسقطنا عن مقاعدنا الوثيرة من شدة الضحك والشماتة كذلك، الضحك من ظرافة سعيد الصحاف والشماتة بعنجهية صدام حسين، كنّا نقول: «حوالينا وما علينا»، اعتقدنا أن المعركة انتهت في دك أسوار بغداد، لم يكن فينا فطنٌ واحد ينتبه إلى أن المعركة الحقيقية ليست تلك التي تستهدف سقوط مدينةٍ هنا أو عاصمةٍ هناك.. كانت المعركة الحقيقية تستهدف إسقاط ما في عقولنا مرةً وإلى الأبد.. ودعوني أقولها رغم ما يعتريني من ألمٍ وغصة: لقد هزمنا في هذه المعركة بالذات.. ولم يستطع مفكرٌ واحد ممكن كانوا ينتشون بالحديث عن غباء جورج بوش الابن ووصفه بالـ«أخرق» أن يحموا أسوار العقل العربي الجمعي من السقوط أمام زحف الجيوش الجرارة للأفكار الغربية. 

من المؤكد أنه لا طائل كبير يرتجى من تعداد الأمثلة والدلائل على أن وجه المنطقة تغير بالفعل بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، خصوصاً بعد قرابة العام على بدء ما يعرف بـ«الربيع العربي»، ويعلم الجميع أن أي حديثٍ اليوم عن المتغيرات في المنطقة سيكون على ضوء هذا «الربيع» وبالتالي سيتهم صاحبه بأنه يحلل التاريخ بأثرٍ رجعي، الأمر الذي سيبدد موضوعية أي دراسةٍ جادة حوله، لكن دعونا قبل توجيه التهم الجاهزة نطرح سؤالاً بسيطاً في «الربيع العربي» بالذات: هل يستطيع أحد أن ينكر أنه ما كان لهذا الربيع أن يأتي لولا الشتاء الطويل الذي عاشته المنطقة بدءاً من هجمات الحادي عشر من سبتمبر؟ 

ربما لو توقفنا للحظة عن الدهشة والانبهار كلّما خطر ببالنا «الربيع العربي» وما نتج عنه من سقوط أنظمة عتيدة ونظرنا إليه كمجرد منعطف تمر به المنطقة لأمكننا بالفعل تفسير الكثير من الالتباسات والألغاز التي تزخر بها المنطقة، ولبدأنا التخطيط الحقيقي للمرحلة التي تلي لحظة السقوط بدل حالة الفراغ والخواء السياسي الذي تعيشه بعض الدول العربية بعد إسقاط أنظمتها مثل حالة الشقيقة مصر. 

شخصيّاً لا أود أبداً الانضمام إلى جوقة المتشككين بـ«الربيع العربي»، خاصةً وأنّ لدي تحفظاتي الكثيرة على ما يعرف بنظرية المؤامرة وهي ليست بالتحفظات الجديدة، إلا أني لا أستطيع أبداً اليوم أن أنسى تصريحات الرئيس الأميركي السابق جورج بوش بأن «التاريخ قبل الحادي عشر من سبتمبر لن يكون مثل التاريخ بعده»، ولا أستطيع كذلك أن أنسى كلام وزيرة خارجيته كوندليزا رايس حين بشّرت بولادة شرق أوسط جديد، لا أستطيع –ومثلي كثيرون كما أعتقد- أن أتجاهل هذا الانفضاض الشعبي عن القضية الفلسطينية من المحيط إلى الخليج بما ينذر بأن هناك من يرمي إلى تصفيتها. أيضاً لا أستطيع أن أفهم كيف تخوض الولايات المتحدة حرباً عالمية على المسلمين بوصفهم الممثل الوحيد للإرهاب وتقوم بعد عشر سنوات من بدء حربها بتمهيد الطريق للإسلاميين حتى يصلوا إلى الحكم وكأنه «ربيع إسلامي» وتسميته بالعربي جاءت زوراً وبهتاناً. كيف لنا أن نفسر كيف يكون «الربيع العربي» ماركة مسجلة بالجمهوريات العربية دون الممالك وكأننا نحن شياطين ودول مجلس التعاون ملائكة وقديسين؟ كيف تنفق الولايات المتحدة أكثر من بليون دولار في حربها على العراق وتنسحب منه لتسلمه بعد ذلك لقمةً سائغة لعدوتها المفترضة في المنطقة إيران؟!! 

ربّما يأتي اعترافنا بأن المنطقة شهدت تغييرات جذرية متأخّراً جداً خصوصاً «بعد خراب مالطة» ومالطة هي هنا العقل الجمعي العربي وما يحمله من اتجاهات فكرية كانت عصيّة على التغيير مثل أولوية القضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني.. لكن من الملح اليوم أن نجري تقييماً عميقاً لكل الأحداث والخضات التي شهدها العالم وانعكست تأثيراتها على المنطقة بدءاً بسقوط قرني التجارة العالمية وليس انتهاءً بسقوط القذافي قتيلاً على يد الثوار.

ليست هناك تعليقات: