(ياسر قشلق)
لا يستحق الشعب الفلسطيني محمود عباس رئيساً له أبداً حتى ولو كان ذلك بصورةٍ فخرية، فـ«الرجل» أنبل شخصيةٍ تسير اليوم على وجه الأرض، سواء أجرى التقييم على مستوى السياسة أم الثورة أو حتى الأخلاق، على حين أن الفلسطينيين هم شعبٌ شريدٌ لا همّ له سوى إفساد نبالة عباس في أمورٍ نافلةٍ من قبيل «حق العودة والقدس وفك الحصار..»، وهي أشياءٌ لا مكان لها في ازدحام «الملكوت العباسي»!.ما سلف ليس تجنياً منّي على الفلسطينيين، وأنا أحدهم، إنما هو جزءٌ يسير مما استطعت استنتاجه من خطاب عباس «التاريخي» خلال مؤتمر فتح السادس، وأحب أن أزيد عليها أن عباس السياسي محنك أكثر من تشرشل، وعباس الثائر أجرأ بكثير من صلاح الدين، والأهم أن عباس الكذّاب أكذب بمراحل من مسيلمة الكذّاب نفسه.
طبعاً؛ لن أسمح لنفسي بالتعليق على كل ما جاء في خطاب عباس، فذلك إمعانٌ مني في تعذيب قارئٍ لا ذنب له أبداً، ولهذا سأختار من فيض ما جاء فيه بعض أكاذيب بشعة وصلت لحدود الفجور، ما أعجزني عن السكوت عليها.الكذبة الأولى التي جاءت في خطاب عباس كانت في معرض إثباته أنه «ثائرٌ شرس»، فقد نسب لنفسه الفضل في اتخاذ قرار تفجير الثورة الفلسطينية، التي أطلقت رصاصتها الأولى في الأول من كانون الثاني عام 65، وقد ساوى نفسه مع الراحل ياسر عرفات حين ادعى أنهما كانا الصوتان المرجحان في اتخاذ هذا القرار!طبعاً من المعروف أن قرار انطلاق الثورة المسلحة اتخذ في الأول من أيلول عام 64، وعباس التحق بفتح في كانون الأول من ذلك العام، ثم إن عباس لم يشارك لا في مؤتمر الحركة الأول ولا الثاني، على اعتبار أنه لم يصبح عضواً في الحركة حتى أواخر الستينات! فمتى قرر عباس يا ترى، والأمر على هذا النحو، إطلاق الثورة الفلسطينية المسلحة؟! أو قل ماذا حل بمبدأ «الصوت المرجح الواحد» الذي يعتمده جميع من في العالم حتى تتخذ فتح قراراتها وفق صوتان مرجحان كما ذكر عباس؟!الكذبة الأخرى كانت في الحديث عن معركة الكرامة (آذار/ 68)، وفيها ناقض عباس البيانات التي أصدرتها فتح نفسها في ذلك الوقت، والتي تفيد أن الجبهة الشعبية لم تشارك في المعركة، حيث انسحبت من مواقعها قبل اشتعالها. على حين أكد عباس أن مقاتلي الشعبية صمدوا مع فتح، هذا فضلاً عن ادعائه اشتراك كل الفصائل الأخرى في المعركة، علماً أنها لم تكن قد شُكلت بعد!طبعاً هذه الكذبة مبررة، نظراً لأن مصلحة عباس تقتضي منه اليوم تقوية روابطه مع اليسار الفلسطيني ضد حركة حماس، حتى وإن جاء ذلك على حساب تزوير التاريخ بصورةٍ فاجرة.المضحك المبكي فيما سبق؛ أن بعض الحاضرين من أعضاء فتح كانوا يعلمون التاريخ الذي يتحدث عنه عباس أكثر منه، بوصفهم جزء حقيقي منه، لكن أحداً منهم لم يجرؤ على إسكاته، فمصالحهم الراهنة أصبحت أهم بكثير من مسألة تزوير تاريخ نضالهم، وتماشياً مع المثل القائل: «لا تخبر الرجل الذي يحملك أنه أعرج» استمر «المعوقون وطنياً» بهز رؤوسهم ببلاهة لأكثر من ساعتين أمام عباس، يحذوهم الأمل بمزيدٍ من المكاسب في ختام المؤتمر التاريخي..أما أبشع أكاذيب أبو مازن على الإطلاق، فكانت قوله بالحرف: «أقول لكم بكل الأمانة والصدق، أن قيام الدولة الفلسطينية على جميع الأراضي التي احتلت في العام 67 بما فيها القدس الشريف أضحت مسألة وقت».المفارقة أن عباس في الخطاب نفسه دعا نتنياهو للقبول بحل الدولتين، فيما يستمر الأخير بابتلاع الضفة الغربية رغماً عن إرادة العالم بأسره!!إذاً كيف يصدق الفلسطيني خطاب عباس عن أن قيام الدولة الفلسطينية بات مسألة وقت وهو يستحث نخوة نتنياهو في الخطاب نفسه لتقبل قيامها؟ هل الفلسطيني أبله لهذه الدرجة بنظر عباس حتى يقبل بهذه التناقضات؟ أم أن موافقة إسرائيل على قيام الدولة الفلسطينية مجرد تحصيل حاصل كون القرار في هذا الأمر يعود لجمهورية الكونغو التي سمحت أخيراً بحدوث ذلك؟!الغريب أنه وبعد كل هذا التهريج يخرج وزير دفاع العدو إيهود باراك ليصف مؤتمر فتح بـ«المثير للقلق»!! وكأنّي بـ(قوات العاصفة) وقد استيقظت من سباتها الأزلي وبدأت رمي اليهود في البحر، أقول لكل القلقين: يمكن لمؤتمر فتح أن يثير أي شيء، الضحك والبكاء وحتى الغرائز، لكن لا يمكنه أبداً أن يثير القلق.سأختتم حديثي عن مؤتمر فتح «الناجح» بحسب بعض المنافقين، بكذبة مزعجة أخيرة وردت في خطاب عباس، فعندما كان يتحدث عن «ضرورة الوحدة الوطنية» ادّعى أن الراحل عرفات حين زار غزة في تموز عام 1994 طلب مقابلة الشيخ أحمد ياسين، وقد أعاد هذه الجملة عدة مرات، دون أن يفطن أن أحمد ياسين كان قابعاً بالسجون الإسرائيلية حينذاك ولم يفرج عنه إلا في تشرين الأول عام 1997!! صخب هذه الكذبة أخجل عرفات وأضحك ياسين وزاد في حزني..
http://www.dp-news.com/pages/detail.aspx?articleId=16254
http://www.dp-news.com/pages/detail.aspx?articleId=16254
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق