2010/09/28

في أوهام الثورة والنضال

ياسر قشلق
(ياسر قشلق | ) 
وأخيراً؛ وبعد ثلاثٍ وستين عاماً من النضال المضني في حنايا القضية الفلسطينية اكتشفنا أن قضيتنا لم تكن فلسطين. ناضلنا في قضايا اليمين وهموم اليسار إلى حد الإنهاك والملل دون أن ندري أن سيف اليمين قد تثلّم وبندقية اليسار قد صَدِئت. دافعنا عن أيديولوجيا لا تعنينا بحميّة كأنّها الأقصى. وانتصرنا لماركس كأنّه المخلّص الجديد.. والنتيجة: شارفنا على تضييع فلسطين إلى الأبد تحت أصوات التكبير ونحن نردد بحناجر مشلولة وأيادٍ مبتورة ترفع أحزمة الموت: "يا ثوّار العالم انتحروا".



المفاجئ بهذه النتيجة أننا واجهنا معضلة تصنيف أمواتنا الجدد، هل سيدخلون الجنّة بوصفهم شهداء أم إلى جهنم بوصفهم قتلى؟


كان على جدّي ألا يعذّب نفسه عشرات السنين أمام المذياع لسماع خبر العودة. كان يدرك أكثر من الجميع أنه لن يعود، فهو الذي روى كيف أن أول جنودٍ جاؤوا لتحرير فلسطين بصيحات "الله أكبر" عادوا منها بهمسات "إنّا لله وإنّا إليه راجعون". محمّلين بهزيمةٍ نكراء كفّنوها ببطولاتٍ بيض لم يقوموا بها، وظلّوا يقصّونها على أبنائهم حتى كبروا بدورهم واستطاعوا تسطير بطولاتٍ أفضت بلا مفخرة لهزيمة الـ67. كان على جدّي ألا ينتظر، كان عليه أن يستريح، وأن يترك لحقيبته، المعبّأة بالأحلام الممنوعة، حرية الاختيار بين التقاعد المبكر أو العمل لدى "كبير الثوار" بمهنة "شنطة دبلوماسية" لها قدرة إدخال حلمٍ ورديَّ اللون إلى وطنٍ أنهكته الغربة والحنين.


فلسطين على كثرة ما بدّلنا لها جلدها ما عادت تستطيع التعرف على نفسها. تراها تدبُّ في الأرض حافية القدمين كظبيةٍ شريدة تتسوّل هويةً ووطناً وكرت إعاشة. حين تمر بجوار أحد قصور أبنائها المناضلين تمشي على رؤوس أصابعها مكابرةً ثقل شيخوختها، هي تخشى أن يتأذّى أبناؤها الهانئون بأسرّة النضال من عورة أمّهم المكشوفة بقرارات الأمم المتحدة ضدنا التي صفّقوا لها كثيراً عقب كل اغتصابٍ جديد كابدته أمهم.


قرّرنا أننا بحاجة إلى ثروةٍ وطنية مستعجلة تنقذنا من شماتة أهل الخليج فينا بعد أن اكتشفوا توّاً النفط ومنحوه لقب ثروتهم الوطنية. التفتنا حولنا فلم نجد أرضاً نبحث فيها عن نفط. وأشجار زيتوننا أصبحت ثروة "أبناء عمومتنا" الوطنية. فرك "ختيارٌ" ما لحيته وقرّر أن يكون الشباب ثروتنا الوطنية. ونكايةً بأهل الخليج الذين أصبح نفطهم وقود العصر حوّل "الختيار" شبابنا إلى "وقود الثورة". حرقنا شبابنا عن بكرة أبيهم تحت شعار "ثورة حتى النصر". وحده وعي بعض الثوار القدامى لـ"خطورة المرحلة المقبلة" من أنقذ بعض الشباب. القوي منهم أصبح حارساً شخصيّاً عند سعادة الثائر بيك، والضعيف فاتح أبواب سيارة المدام ثورة.


وأخيراً؛ وبعد ثلاثة وستين عاماً من النضال المضني اكتشف إخوة الثورة أنهم كانوا حالمين حين طالبوا بكامل فلسطين، قرّروا النزول عن الشجرة وركوب موجة البقاء فطالبوا بشكلٍ عنيف جداً بوقف أعمال الاستيطان وإلا (؟)، لا أدري "وإلا فماذا"؟ لا أحد يدري "وإلا فماذا" فلم يبق في الجعبة أيّ حيلٍ جديدة يمكن أن تنطلي على كبير السحرة.
لكنني أدري أنهم سيصمتون. عاجلاً أم آجلاً سيصمتون. وسيرحلون محمّلين بخبثهم وضعفهم وكراسيهم ومصالحهم وكل شيء.. وستبقى بعدهم فلسطين.. شعبٌ حر على ترابٍ حر تحت سماءٍ حرة.. ستبقى "فلسطين حرة".


رئيس حركة فلسطين حرة


نقلاً عن صحيفة "الوطن"

ليست هناك تعليقات: