2009/03/17

ثلاثة انتصارات وقضية واحدة

17/03/2009
(كتب ياسر قشلق)
يقدم التاريخ السياسي لمنطقة الشرق الأوسط دروسا مستمرة في السياسة والزعامة والقيادة، وكذلك في تمايز الدول والقادة من حيث الرؤية السياسية التي تشكل عاملا أساسيا في صياغة أحوال الدول والشعوب. 

وخلال السنوات الأخيرة، وتحديدا منذ حرب تموز 2006 وصولا إلى قمة الرياض العربية المصغرة، قدمت سورية دروسا في صياغة السياسة وكتابة التاريخ، وقد أثبت الرئيس بشار الأسد أهمية أن يمتلك الزعيم السياسي القدرة على استشراف المتغيرات وبالتالي صياغة القرار السياسي على أسس واقعية تستوحي منطلقاتها من مفهوم المصلحة القومية بمعناها الأوسع.
ثلاثة انتصارات خلال ثلاث سنوات شكلت بمجملها تجربة سياسية تستحق الوقوف عندها، والتأريخ لها. وقد أشرت في مقالات سابقة إلى حتمية انتصار الخط السياسي الذي انتهجته سورية ولا تزل في تعاملها مع ملفات الشرق الأوسط، هذه الملفات التي أقل ما يمكن أن يقال فيها أنها الأكثر تعقيدا على مستوى العالم أجمع.
كان الانتصار الأول في دعم سورية لحزب الله خلال العدوان الإسرائيلي في تموز 2006. وفي وقت تخلت فيه أطراف عربية ودولية حتى عن الحد الأدنى من مراعاة الشعور الإنساني لشعب يتعرض للقصف المنهجي تقوم به آلة عسكرية تحركها عقلية عنصرية تصفوية، بقيت سورية، وبتوجيهات مباشرة من الرئيس الأسد، على امتداد 33 يوما من الحرب الوجهة الوحيدة لشعب ومقاومة لبنان. وقد شكلت تلك الحرب بداية تغير في وجهة تاريخ المنطقة التي سلمت جهات عديدة فيه بأنه سائر إلى ما خطط له أمريكيا وإسرائيليا.
ثم جاء الانتصار الثاني في غزة. وكان انتصار المقاومة هناك أيضا برهانا جديدا على صحة المواقف التي تتخذها سورية، خاصة في احتضانها للمقاومة ودفاعها عن حقوق الشعب الفلسطيني في الحصول على حياة كريمة. وخلال 22 يوما من العدوان لم تتوقف سورية عن احتضان المقاومة ولم ترضخ للمطالب الكبيرة بالضغط عليها، ولم تتوقف عن إرسال المساعدات إلى الشعب الفلسطيني في غزة. وتحقق الانتصار مرة ثانية، ليبعث في الحياة السياسية الفلسطينية مجموعة من المفاهيم الجديدة حول الانتصار والمقاومة والشرعية، وليثبت لكل صاحب شك أن للسياسية أصولها وأصحابها، وأن للمقاومة عاصمة واحدة هي دمشق.
وفي سياق المتغيرات التي استحدثها الانتصارين، كان للرئيس الأسد، بصفته رئيسا للقمة العربية بشكل خاص، وزعيما عربيا بامتياز، دورا نموذجيا في إطلاق المصالحة العربية، وصولا إلى عقد قمة الرياض، والبدء بصياغة آليات جديدة لإدارة السياسة العربية والخلافات التي قد يحدثها تضارب المصالح بين دولة عربية وأخرى.
ووراء هذه الانتصارات الثلاثة قضية واحدة تجمعهم جميعا تتمثل بقضية الانتماء والإيمان بالمقاومة. ولم تأت هذه الانتصارات كسابقة في تاريخ المنطقة، إذ طالما منحت مواقف القيادة السورية خلال السنوات الثماني الأخيرة، لكل باحث ومتمعن في الشأن السياسي، إشارات واضحة عن حتمية انتصارها لانطلاقها من مبدأ واحد هو المقاومة.

ليست هناك تعليقات: