2009/02/14

ثقافة المقاومة في مواجهة سياسات التفريط والتنازل

(ياسر قشلق)
على الرغم من كافة المحاولات التي سعت من خلالها إسرائيل لتركيع الشعب الفلسطيني وفرض سياسة (الأمر الواقع) في المنطقة بعدوانٍ سافر طال كل ما يمت بصلة إلى الإنسانية في قطاع غزة، أكدت كافة التصريحات الأخيرة للمسؤولين الإسرائيليين أن هذا العدوان لم يستطع تحقيق أي هدفٍ من أهدافه، بل إنه فشل حتى في إضعاف حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وشرعيتها في نظر الشعوب العربية والإسلامية أو حتى في المحافل الدولية..



 وفي مثالٍ صارخ لتأثير العدوان الأخير وتداعياته على تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، فقد أكد زعيم حزب (إسرائيل بيتنا) المتطرف أفيغدور ليبرمان أن (حرب غزة لم تضعف حماس، بل جعلت منها لاعباً رئيسياً في المنطقة)، مضيفاً في حديثٍ نشرته صحيفة لوس أنجلوس تايمز على موقعها الالكتروني: إن (سقوط سلطة محمود عباس بات مسألة وقت)، الأمر الذي يصب في خانة فرضية أن جميع السلطات والحكومات في العالم لا يمكن أن تستمد شرعيتها إلا من خلال تعبيرها عن مصالح شعوبها الاستراتيجية، وهي في الحالة الفلسطينية تتركز على ضرورة الصمود في وجه الترسانة الحربية الإسرائيلية دون تقديم تنازلاتٍ لا تغني أو تسمن من جوع. ولم يقتصر الشرخ السياسي الإسرائيلي على ليبرمان وحده، بل أكد وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق وأحد قادة حزب الليكود سيلفان شالوم أن (إسرائيل لم تحقق شيئاً من الحرب) على غزة، وهذا يعني أن السياسة الإسرائيلية الخرقاء لم تستطع سوى جر ذيول الخيبة والمرارة أمام صمود المقاومة الفلسطينية الأسطوري ومن خلفها صمود الشعب الفلسطيني وتمسكه بخيارات عدم المساومة أو التفريط بالحقوق. وفي هذا الإطار؛ كان واضحاً تمسك الشارع الفلسطيني في غزة بصمود المقاومة، وهذا ما يدل عليه عدم تلفظ أي أحد بأي كلمة بحق فصائل المقاومة وعلى رأسها حركة (حماس) أو تحميلها مسؤولية العدوان الإسرائيلي على القطاع، الأمر الذي كان بحد ذاته هدفاً إسرائيلية أكدته تصريحات المسؤولين الإسرائيليين. ويبدو أن آلة الحرب الإسرائيلية، وكل ما قامت به من ممارساتٍ لا أخلاقية ولا تمت بصلة للإنسانية في عدوانها السافر على الشعب الفلسطيني الأعزل في القطاع، وضعت المسؤولين الإسرائيليين، وعلى رأسهم رئيس الوزراء المختلس إيهود أولمرت ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني ووزير الدفاع إيهود باراك، في مأزقٍ قانوني لا يمكن الافتكاك منه بهذه السهولة، خاصةً وأن مئات المنظمات الحقوقية الدولية باتت على أهبة الاستعداد لاصطياد أي مسؤولٍ إسرائيلي يزور دولة توافق على وضع مذكرة توقيف بحق هؤلاء المجرمين. وقد تكون هذه التداعيات لم تصل بأصدائها إلى بعض الأنظمة (العربية) الصماء، لكن المسؤولين الأميركيين والفرنسيين والبريطانيين، وحتى في تل أبيب نفسها، باتوا يؤكدون أن قتل المدنيين المسالمين والأطفال والنساء لا يمكن أن يكون نصراً بأي معنىً من المعاني، سواءً العسكرية أو السياسية أو الأخلاقية. لا بل على العكس؛ فقد ظهر أمام الكثيرين أن الشارع الإسرائيلي يشهد حالة فراغٍ أخلاقية كبيرة، نتيجة فشل المسؤولين الإسرائيليين في تقديم أي مبررٍ لمثل هذا العدوان الهمجي، وهذا ما دفع عشرات الآلاف من الإسرائيليين إلى التظاهر في شوراع تل أبيب، مطالبين بإيقاف انتهاكات حقوق الإنسان التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية عبر قنابل الفوسفور والأسلحة المحرمة دولياً. ومن هذا المنطلق، يتوجب علينا كشعوبٍ عربية أن نعزز ثقافة المقاومة والصمود في وجه عدوٍ يترنح بكل ما تحمل الكلمة من معنى، خاصةً وأن جميع العوامل الاستراتيجية تصب في خانة عدم التفريط أو المساومة.

ليست هناك تعليقات: