2009/07/08

سلامٌ لا يقبل التنازل

(ياسر قشلق)
ربما تكون المشكلة في المسؤول الإسرائيلي أنه ليس رجل سياسة، بالمعنى العملي للكلمة، إنما هو ببساطة سليل مؤسسة عسكرية متغطرسة لا تفهم إلا لغة الرصاص والقنابل، أما لغة الحق والسلام فقاموس العنصرية الإسرائيلي خلو من هكذا مفردات لا ترضي الشبق الفطري لإسالة الدماء.



 هذه الحقيقة، على بساطتها، هي التي تعكس يوماً بعد يوم لغة الخطاب الإسرائيلي العنجهي الذي يصفه صاحبه بـ«خطاب سلام»، على حين لا يعدو عن كونه نوعاً من الهروب إلى الأمام وذر الرماد في العيون. أول أمس، أصر الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز على تأكيد هذا الأمر أمام وزير الخارجية الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، وذلك حين وجّه دعوة لسورية لبدء «مفاوضات مباشرة دون شروط مسبقة أو وسطاء»! ولم يكتف بذلك طبعاً بل فرض شرطاً للتفاوض مفاده أن إسرائيل «لن تقدم الجولان إلى سورية على طبق من فضة في حال ظلت سورية محتفظة بعلاقاتها مع إيران وحزب الله اللبناني». الخطأ الذي ارتكبه بيريز هنا أنه لم يدرك بعد حقيقة «الإنزياحات السياسية» التي حصلت مؤخراً في المنطقة، وبالتالي هو لم يدرك الوزن الفعلي للمقصود في خطابه (سورية)، وإلا ما كان ليتحدث بمثل هذه اللغة العسكرية المتعالية كونه سيعلم سلفاً أنها ستذهب أدراج الرياح. اللافت هذه المرّة؛ هو الرد السوري السريع والحاسم الذي جاء أولاً على لسان الرئيس بشار الأسد حين قال: إن «دمشق لا تطرح شروطاً خاصة بالسلام بل حقوقاً غير قابلة للتفاوض أو للتنازل»، وجاء ثانياً بتوقيع وزير الخارجية وليد المعلم الذي أكد أن سورية «تريد الحصول على الجولان على طبق من ذهب لأنها أرض سورية واستعادة الحق شيء طبيعي وعدم استعادة الحق هو الشيء الذي يرفضه المجتمع الدولي». وأضاف في إشارةٍ لما يعتري دعوة السلام المشبوهة من تناقضات: «أما عن العلاقة مع حزب الله أو إيران فهذا من ضمن الشروط المسبقة، ومن يريد أن يعرف ماذا سيجري بعد إعادة الجولان عليه أن يأتي إلى طاولة المفاوضات». أهمية هذا الرد الرسمي أنه أعاد من جديد صياغة جل الموقف السوري من عملية «السلام مع إسرائيل» وبصورةٍ جد بسيطة، فقد أُعلن بوضوح أن سعي دمشق لتحقيق السلام لا يعني لهاثها خلفه، وبالتالي لا يعني تقديمها أية تنازلات تفقد بموجبها شبراً واحداً من هضبة الجولان في حدود ما قبل الخامس من حزيران عام 1967، هذا من جهة. ومن جهةٍ أخرى؛ هو إعلان حاسم أن «السلام مع إسرائيل» لن يكون على حساب أحد آخر في المنطقة، وبكلمات أخرى «السلام بين سورية وإسرائيل» لا يعني في أي حالٍ من الأحوال إطلاق رصاصة الرحمة على رأس حزب الله اللبناني، أو إفشال مشروع الدولة الفلسطيني.. السلام مع سورية سيكون لأجل السلام مع سورية، ولأجله فقط! وبذلك؛ تعود دمشق لتذكير الجميع أن وجودها على ساحة الاشتباك في ملفات المنطقة ليس وجوداً اعتباطيّاً يجعل منها ورقة رابحة بيد الآخرين كما هي حال البعض، إنما هو وجود فاعل ومؤثر يستمد قوته من تمسكها بكامل حقوقها ومصالحها كحزمة واحدة لا تقبل التقسيم والتنازلات.

ليست هناك تعليقات: