2009/09/09

أنا حزين 9.. من فرعن إسرائيل..؟!

(ياسر قشلق)
تصفحت مؤخراً كتاباً عن «الحركة الصهيونية»، استوقفني فيه حديثٌ مطولٌ عن لويس برانديز، أحد غلاة قادة الحركة في الولايات المتحدة، وصاحب الدور البارز في إطلاق «وعد بلفور»، حيث يذكر الكاتب أن زيارةً قام بها وزير خارجية بريطانية آرثر جيمس بلفور لأميركا عام 1917 والتقى هناك برانديز قبل شهرين من إطلاق «وعده المشؤوم».سأترك الحديث عن دور برانديز ودور غيره من قادة «الحركة الصهيونية» في قيام إسرائيل إلى مناسبة أخرى، وسأركّز في زاوية اليوم على عبارةٍ قالها برانديز في القانون واستوقفتني مطولاً، وبالمناسبة برانديز هو قاضي كان يشغل منصب رئيس المحكمة الأميركية العليا، العبارة تقول: «لو أردنا احترام القانون علينا أن جعل القانون محترماً».




طبعاً العبارة استوقفتني لأنها تختزل –في اعتقادي- بجزالةٍ ملفتة جلّ ما يعانيه الفلسطينيون اليوم من استهتار إسرائيل بالقانون الدولي، بل وربما ما يعانيه العالم بأسره منها، هذا على فرض أن الدعوات الغربية والأميركية لإسرائيل لكي تحترم القرارات والقوانين الدولية «دعوات صادقة». أعود لعبارة برانديز التي تضيء جانباً من مشكلتنا مع إسرائيل قلّما تحدثنا حولها، أقصد عشرات «القوانين غير المحترمة» الصادرة ضدها منذ عام 1947 وحتى اليوم، غير محترمة من جهة أنها «قوانين بلا روح» تخلو من أية آلية تنفيذ، وتخلو كذلك من أية تبعات تتحملها إسرائيل، ضمن أطر القانون نفسه، جراء «عدم احترامها». المحزن، بل والمخجل أيضاً، أن بعض العرب يتوجهون اليوم لتقديم تنازلات بالجملة لإسرائيل تحت عنوان «بوادر حسن نية» حتى تلتزم الأخيرة بـ«مراعاة» القانون وليس تنفيذه، والمثال الصارخ على ذلك ما أشيع مؤخراً عن تعهد بعض الدول العربية لأميركا فتح مكاتب ترعى المصالح الإسرائيلية على أراضيها، فضلاً عن فتح مجالاتها الجوية أمام طيرانها مقابل تجميدها للاستيطان بضعة أشهر فقط! بكلمات أخرى: أصبح ثمن «تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية» اليوم هو تأجيل سخرية إسرائيل من العرب قليلاً! المحزن أكثر من ذلك، أنه ورغم قبول بعض العرب لهذا الثمن البخس للتطبيع مع إسرائيل، أقرت الأخيرة الأحد الماضي مشروعاً لإقامة 455 وحدة سكنية في الضفة الغربية من شأنها وأد حلم قيام «الدولة الفلسطينية» إلى الأبد! إذاً حتى مبادرات «حسن النية» التي يقدمها العرب بالجملة لا تحترمها إسرائيل، وذلك لإدراكها المسبق أنها صادرة من جهات غير محترمة أصلاً، كما هي حال جميع الجهات التي تصدر قوانين بحقها.هناك مثل عربي يقول: «يا فرعون مين فرعنك؟ قال: ما في حدا يردني»، هذه هي حالنا مع إسرائيل باختصار.. إسرائيل قويّة؟ نعم قويّة، لكن أحداً ما كان ليتوقع أن تصل بها حدود القوة لتحدي العالم بأسره على هذه الصورة التي تتجاهل معها مساعي الإدارة الأميركية، أو تجعلها ترفض زيارة وزير خارجية السويد إلى أراضيها! حتى هرتزل نفسه مؤسس الدولة ما كانت أحلامه لتصل إلى هذه الدرجة من الطوباوية، وإني أعتقد جازماً أنها لم تصل إلى هذا إلا بسببنا، فنحن الذين تركنا لها «الحبل على الغارب» كما يقولون. سأختتم الحديث بما نقله لي أحد أصدقائي البريطانيين قبل أيام حول جولة بنيامين نتنياهو الأخيرة في أوروبة، فخلال لقائه وبعض المسؤولين هناك، عبّر رئيس حكومة الاحتلال عن «عتبه الشديد» لما يصدر عنهم من استنكارات –بلا طائل طبعاً- لاستمرار الاستيطان في الضفة الغربية، قال نتنياهو للأوربيين: «إن كان العرب أنفسهم غير معنيين بما نفعل.. فلماذا أنتم ممتعضون منا؟!!».

ليست هناك تعليقات: