2009/10/01

أنا حزين (11).. سيناريو ما بعد «هدم الأقصى»

(ياسر قشلق)

في ظل تصعيد العصابات الصهيونية انتهاكاتها للمدينة المقدسة منذ السابع والعشرين من شهر أيلول، وفي ظل الصمت العالمي حيال ذلك، أظن –وبعض الظن إثم- أنه وفي غضون عامين على الأكثر ستنفذ إسرائيل جريمتها التاريخية بـ«هدم المسجد الأقصى المبارك»، وأتوقع أن يكون التاريخ الأمثل لتنفيذ الجريمة هو فترة انشغال العالم ببطولة كأس العالم لكرة القدم في جنوب إفريقيا منتصف عام 2010.


ومع تمنياتي أن أكون فاشلاً باستشراف المستقبل، وأملي أن يحرك الأقصى ما بقي من نخوة عربية ترد عنه أذى الفاشستيين، وأيضاً مع اعتقادي أن «انتفاضة ثالثة» باتت تلوح في الأفق كما هو واضح على الأرض، إلّا أني سأحاول في زاوية هذا الأسبوع رصد ردود الفعل المختلفة حيال «هدم المسجد الأقصى المبارك».
كالعادة؛ سيرصد الإعلام –العربي قبل الغربي- احتمالين لمنفذي الجريمة: الأول متطرفون يهود. والثاني مجهولون، وكما تعلم أيها القارئ سيتم ترجيح الخيار الثاني على الأول، وذلك لتمييع الجريمة وصولاً لضياعها في تفاصيل البحث عن مرتكبها! 
لا يهم؛ المهم ما سيلي ذلك من «ردود فعل» لا بد أنها ستنذر بزوال إسرائيل!! وإليكم بعضاً منها: 
بادئ ذي بدء ستخرج الشعوب العربية بمظاهرات «مليونية» يُحرق خلالها العلمان الإسرائيلي والأميركي.

ومن ثمّ؛ سيصر أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى على عقد اجتماع طارئ على مستوى وزراء الخارجية العرب، يخرج بعد انتهائه ليقول للصحفيين:
«إخواني.. الوضع خطير جداً.. وكنت اتفقت أنا وأخويا وزير خارجية جزر القمر ووزير خارجية موريتانيا على تشكيل وفد وزاري عربي سيكون برئاستي للذهاب إلى مجلس الأمن وتقديم شكوى نعبر فيها عن رفضنا لما حصل، لإني الأقصى دا يا اخوانا كرامتنا.. وعزتنا ومش عارف إيه كمان.. وإحنا مش رايحين نسكت عاللي حصل دا أبداً».. 
سيلي ذلك مطالبة زعيم عربي ما، في خطوةٍ ثالثة لا بد وأن تزعزع استقرار إسرائيل، بعقد قمة عربية استثنائية لتباحث تبعات الوضع الخطير. 
وكما جرت العادة؛ ستبدأ الخلافات العربية – العربية حول مكان وزمان عقد القمة العربية الطارئة، مما سينذر بعقدها بحضور ثلث «الدول العربية» بعد مضي ثلاثة إلى أربعة أشهر من هدم الأقصى! 
وبالتوازي مع كل ردود الفعل الخطيرة هذه، سيصدر بيان شجب وتأنيب ضمير من «الرئيس الفلسطيني» محمود عباس، يؤكد فيه أن السلطة الفلسطينية «ستجمّد مفاوضات الحل النهائي مع إسرائيل، إلى أن تعلن إدانةً رسمية لجريمة المجهولين!»..

الأهم من ذلك كله؛ أن دولاً مختلفة حول العالم ستتبرع بمليارات الدولارات لإعادة بناء أقصانا، وهنا الجريمة الثانية التي ستضيع الجريمة الأولى، حيث ستنتقل دائرة الاهتمام من حقيقية واقعية على الأرض مفادها أن الأقصى قد هدم، إلى واقعٍ زائف يتم التركيز فيه على إعادة بنائه وكأنّ شيئاً لم يكن.
فضلاً عما سلف، ستظهر فئة جديدة من المسترزقين بتأويل القرآن الكريم ستفسر الآية الواردة في سورة الإسراء: «وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا» بأن هدم الأقصى مقدرٌ من الله تعالى وما علينا الآن سوى التفكير بطريقة إعادة بنائه لندخل إليه من جديد! 
وبذلك سيفتح الباب على مصراعيه أمام شيوخ الإفتاء –الغاضبين دائماً- للإدلاء بدلوهم للإجابة على سؤالٍ تافه: هل يجوز إعادة بناء الأقصى أم لا يجوز؟!

وهنا بالذات سيبدأ دور «العلمانيين والشيوعيين واليساريين العرب» بالاصطياد من ماء التاريخ العربي، وستراهم يردون على الشيوخ بأن «نبينا محمداً (ص) قد أمر بهدم أحد المساجد –مسجد ضرار-، فلماذا الانشغال بالأقصى وإهمال مشاكل الفقر والتخلف والتبعية و.. التي تنخر مجتمعاتنا العربية؟!». 
عند هذا المفصل تضيع القضية من جديد، وسنبدأ بنسيان أن الأقصى هدم، وسننشغل بالبحث عن تاريخ «مسجد ضرار» ومن بناه؟ ولماذا هدمه الرسول؟!!.. 
وأتوقع أن ينبري بحسم الجدل «الإسلامو – عروبي» الرئيس الأميركي باراك أوباما، وذلك بسماحه إعادة بناء المسجد الأقصى في جمهورية «الكونغو الديمقراطية»، دون تحديد زمان حدوث ذلك. 
حين نصل إلى هذا الحد، يأتي الدور على «رجال التخدير العربي» -وما أكثرهم في عالمنا- ليطلقوا خطاباتهم وشعاراتهم التسويفية، وستسمع كثيراً يومها خطابات «المرجلة» التي تقول: «سنعيد بناء أقصانا أفضل مما كان.. وأجمل مما كان.. وأوسع مما كان..»، وصولاً لإنتاج أغنية عربية شاملة بنفس الكلمات الخطابية السابقة تشبه أغنية «الحلم العربي».

وبعد سنة أو أكثر على هدم الأقصى والبدء ببناء مدينة داوود الخرافية مكانه، سيقتصر أثر أولى القبلتين على نصبٍ تذكاري صغير يكتب عليه «الأقصى كان هنا»، وستنشئ مؤسسة على أنقاض «مؤسسات الحفاظ على المسجد الأقصى» اليوم يطلق عليها «مؤسسة حماية نصب الأقصى» ستعمل على الحفاظ على هذا النصب بالطاقات نفسها التي حافظت فيها على الأقصى!! 
ومع كل الأماني بصحوة عربية عاجلة تنقذ مدينتنا المقدسة، أود في ختام زاوية الأسبوع إطلاق فتوى غاضبة باسم مجلس «إفتاء التحرير»: «يجوز لكم أيها العرب أن تتحركوا لتحرير أقصاكم المدنس قبل أن يُهدم، سواء أدخلتموه أم لم تدخلوه».

ليست هناك تعليقات: