2009/10/07

أنا حزين (12).. لعن الله العجلة والشيطان.. والسياسة!

(ياسر قشلق )
هي السياسة إذاً، السياسة هي من يقف خلف تأجيل التصويت على تقرير القاضي اليهودي غولدستون، صراحةً لم نكن نعلم بذلك، فنحن لسنا سياسيين ولم نخلق لنكون كذلك، ولا يمكن أن نفهم يوماً كيف تحاك مناوراتها في أروقة الظلام، ونتيجةً لجهلنا هذا سارعنا بكيل تهم التخوين لحملان السلطة الفلسطينية، أشاوس حركة فتح وعباقرة «م. ت. ف» الباسلة، دون أن نمنحهم حتى فرصةً لإفهامنا أن ما فعلوه «سياسة»!. لعن الله العجلة، ولأنها من الشيطان؛ لعن الله الشيطان!! حسناً؛ ما دام في التأجيل مناورة «سياسية» نتجت عن عروض رافقتها تهديدات أميركية - صهيونية كما يدعون، سنحاول إذاً أن نقفز فوق جهلنا بالسياسة أولاً، وفوق علمنا أنهم كاذبون لا يجيدون الكذب ثانياً، وفوق دماء من سقط في العدوان الإسرائيلي على غزة ثالثاً.. وصولاً، إذا وصلنا، لتقييم «الصفقة السياسية» على ضوء السياسة نفسها التي أنجزتها.




في البداية سنسقط من الاعتبار «نظرية المؤامرة» التي تدعي أن «لدى إسرائيل وثائق ومحاضر اجتماعات وأشرطة تسجيل تظهر إلحاح رجالات السلطة الفلسطينية على أركان الحرب الإسرائيلية إنهاء وجود حركة حماس في قطاع غزة أثناء العدوان الإسرائيلي في كانون الأول الماضي، وأن إسرائيل هددت بكشف هذه الوثائق في الأمم المتحدة إذا لم تطالب السلطة بسحب تقرير غولدستون، فتم لها ذلك»، سنسقطها على اعتبار أنها لا تمت للسياسة بصلة، ونحن متفقون أن نتحدث حصراً على ضوء السياسة. أيضاً سنسقط الحجج والمبررات التي سيقت إعلامياً وعبرت عن التخبط الحاصل في أروقة السلطة الفلسطينية ومنها مثلاً تحدث البعض عن ضرورة التأجيل حتى آذار المقبل لحشد أكبر تأييد دولي لإيصال القرار لمحكمة العدل الدولية في لاهاي، ثم تنصل البعض الآخر من المسؤولية.. إلى أن صدر أمر من السلطة بتشكيل لجنة تحقيق لتحديد المسؤول عن اتخاذ القرار، سنسقط هذه الحجج كونها طفولية وسخيفة تهدف إلى ذر الرماد في العيون. يبقى لدينا بعد إسقاط أي احتمال لوقوع عملية ابتزاز للسلطة الفلسطينية نجمت عن تآمر سابق من قبلها على حماس أثناء العدوان الإسرائيلي، وإسقاط كل المبررات الساذجة الأخرى، يبقى أن السلطة الفلسطينية طلبت تأجيل التصويت على تقرير القاضي غولدستون كرمى لصفقة دسمة أنجزتها مع أميركا وإسرائيل، أي وبلغة الأعمال «بزنس ناجح» لا بد وأن يقطف ثماره الشعب الفلسطيني، ولأن السياسة تفترض التحدث بعقل بارد أقول: مبارك للشعب الفلسطيني الصفقة الدسمة حتى وإن كان ثمنها دماء أطفاله. وعلى الرغم من قناعتي المطلقة بذكاء المفاوض الفلسطيني، إلا أني لا أجد ضيراً هنا من البحث عن الصفقة السياسية المنجزة عبر طرح السؤال: ماذا حصدت السلطة الفلسطينية يا ترى من طلب تأجيل التصويت -طيه ونسيانه- على قرار يوصل قادة إسرائيل لمحكمة العدل الدولية؟! لنعود إلى ما تناقلته وسائل الإعلام ولم تنفه السلطة، تقول التقارير الإعلامية: أن واشنطن هددت السلطة -في حال لم تجمد التقرير- بوقف دورها وجهودها لاستئناف المفاوضات مع إسرائيل، وبوقف دعمها المالي لـ«حكومة» سلام فياض، فضلاً عن سماح إسرائيل بولادة شركة هواتف نقالة جديدة كانت قد أخرت الموافقة عليها فترة طويلة، بكلمات أخرى: التهديد الأميركي بسحب الوساطة في المفاوضات وتجميد الأموال يعني في المقابل استئناف المفاوضات بشروط عادلة، وتقديم دعم مالي كبير، إضافة لتعامل إسرائيلي مرن مع أجندة «الحكومة الفلسطينية» الاقتصادية -كما تشير إلى ذلك موافقتها على إنشاء الشركة الجديدة- بما يضمن قدوم فترة ازدهار اقتصادي حتمية ستُنسي شعب فلسطين مذاق خبز الشعير!لكن، وبالاستناد على حيثيات هذه الصفقة المزعومة فإن أحداً لم ير مئات الملايين –لن أقول مليارات- وهي تدخل خزائن السلطة الفلسطينية الفارغة، وأحد لم يسمع تعهداً إسرائيلياً بتجميد الاستيطان وبتفكيك المستوطنات «غير الشرعية» خارج الخط الأخضر -طبعاً كل الاستيطان غير شرعي- وصولاً لاستئناف المفاوضات النهائية، أيضاً، وبما أن الصفقة أنجزت على حساب دماء أهل غزة، لم نسمع تعهد أي طرف من أطراف الصفقة بإعادة إعمار القطاع المدمر قبل وصول فصل الشتاء رأفةً بتشرد أهل الخيام! إذاً ما هي بنود الصفقة المنجزة إن لم تكن هذه؟! وماذا حصد المفاوض الفلسطيني المحترف منذ أيام أوسلو وما قبلها من نظيره الإسرائيلي حديث العهد والخبرة؟! هل هي حقاً صفقة مجانية أنجزت مقابل تعهدات ووعود شفهية تذروها الرياح؟! هل نذكر رجالات السياسة الفلسطينية الحاليين بمصداقية الوعود الشفهية التي تقدم إليهم؟! قبل سنوات تم التعهد –شفهياً- بحل نهائي للقضية الفلسطينية مقابل تجميد السلطة القرار الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية بحق إسرائيل في قضية بناء جدار الفصل العنصري، القرار الاستشاري أدان وقتها الجدار وطالب بهدمه وتعويض الفلسطينيين، وعدم متابعة التوصية في الجمعية العامة للأمم المتحدة لوضعه في سياق التنفيذ؟!هل نوغل بالتاريخ أكثر لإثبات كم نحن فاشلون بممارسة السياسة والتفاوض؟! هل نذكر مثلاً عام 1939 عندما أجبر زعماء العرب الفلسطينيين إيقاف الثورة الكبرى مقابل وعود بريطانية –أيضاً شفهية- بالتسوية؟! هل نذكر الهدنة بين العرب وإسرائيل القائمة على كذب الدول العظمى ووعودها الشفهية بحل فوري للأزمة المشتعلة التي أفرزت نكبتنا؟! ماذا نقول أيها السياسيون العظام؟! ماذا نقول بحقكم وبحق «سياسةٍ شفهية» عاجزة عن حصد أي ثمن ولو رخيص للبقاء على كراسيكم؟! إذا كانت السياسة والمفاوضات عاجزة عن كل شيء سوى إبقاءكم فوق رؤوسنا.. إذاً.. لعن الله السياسة..!!

ليست هناك تعليقات: