2009/11/19

الفلسطينيون هم فلسطينيون..!!

(ياسر قشلق)
ثلاثة مفارقات سجلها سياسيو أرضنا المحتلة، فلسطين، في الأيام القليلة الماضية، مفارقات إن تسنّى لها التعبير عن أمر ما فإنها لن تعبر إلا عن إفلاس وتخبط وغياب أية رؤية وأي نهج مفترضان لمجابهة المخططات الصهيونية المستعرة والتي قاربت على قضمنا عن آخرنا..



لا أدري صراحةً ماذا يدار في الظلام حتى يندفع ساستنا الكرام لإلقاء جميع أوراقهم بوجه العالم بأسره وعلى رؤوس الأشهاد، لكن ما أنا على يقينٍ منه أن معظم هذه الأوراق –إن لم تكن جميعاً- أوراق خاسرة تثير السخرية والشفقة من الصديق والعدو على حدٍ سواء لما انتهى إليه وضعنا بعد مئة سنة صراع.

البداية، طبعاً، كانت مع إعلان «الرئيس» محمود عباس عزمه عدم ترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، تلاه إعلان «مهرج التفاوض» صائب عريقات فشل ثمانية عشر عاماً من مسلسل المفاوضات، بالمناسبة عريقات رغم اعترافه بلسانه أنه فاشل إلا أنه لا يزال يشغل منصب «كبير المفاوضين» الفلسطينيين، ليأتي أخيراً الإعلان عن خطة يبدأ تنفيذها بعد عامين من الآن تتمثل بطرح التصويت في مجلس الأمن على قيام دولة فلسطينية مستقلة على أراضي الـ67 تكون عاصمتها القدس الشريف، وإمعاناً بالمفارقة تزامن الإعلان مع مرور الذكرى الـ21 لإعلان الراحل ياسر عرفات من الجزائر قيام دولة فلسطين على حدود الـ67.


والسؤال ما الجديد الذي سيضاف للقضية من خلال طرح قيام الدولة الفلسطينية على التصويت أمام مجلس الأمن؟ هل سيزيد مثلاً من تعداد الدول المعترفة بفلسطين؟ وما الفائدة من حصول ذلك لو حصل؟ للتذكير فقط؛ بعد إعلان عرفات قيام دولة فلسطين عام 1988 ازدادت دول العالم المعترفة بفلسطين أكثر من الدول المعترفة بإسرائيل نفسها..!! لكن، ومع الأسف طبعاً، دون أية فائدة تستحق الذكر، بل اقتصر الأمر على مجرد اعترافات واهية استلزمت فتح ممثليات وسفارات للدولة العتيدة في دول لا يعرفها إلا خالقها، مع جملة من البروتوكولات المترفة التي لم تقدم ولم تؤخر بل إنها ضيّقت دائرة الحلول عبر إشهاد هذه الدول نفسها قبولنا قرار مجلس الأمن 242 وطيّنا وللأبد القرار 181 الصادر عام 1947، وللتذكير أيضاً فإن خطوة عرفات جاءت لتشد من أزر شباب الانتفاضة الأولى والتي كان قد مر عام على انطلاقتها منذ عام 1987، وهي لم تأت كورقة محروقة كما هي الحال الآن..

ما يثير الاشمئزاز حقاً هو ردة فعل الاحتلال الصهيوني هذه المرة، فمقارنةً مع الهدوء النسبي بل وحتى الارتياح لإعلاني عباس وعريقات، لقي الإعلان الأخير آذاناً منزعجة في الجانب الصهيوني لدرجة التوعد بقرار ضم ما يطلقون عليه يهودا والسامرة –الضفة الغربية- إلى «دولة إسرائيل»! لتأتي بعد ذلك دعوة وقحة أطلقها نتنياهو لـ«استئناف المفاوضات بدون شروط مسبقة، مع تأكيدات أن حكومته ستكون مستعدة لإبداء السخاء بصورة ستكون بمثابة مفاجأة للجميع.. وإلا سيتم إلغاء اتفاقات أوسلو من جانب واحد»!!

حتى التاريخ عاجز عن تقديم مثال يتفوق به على وقاحة نتنياهو. ثمانية عشر عاماً من المفاوضات الفاشلة باعتراف سيدها صاحب كتاب «الحياة مفاوضات» والوقح نتنياهو يريد إعادتنا إلى دائرة المفاوضات مجدداً، وإن لم نمتثل لتهديده ستكون العاقبة حرماننا من اتفاقات أوسلو الميمونة إلى غير رجعة..!! يا ليته يفعلها ويريحنا من لعنة أوسلو وعندها ربما نسجل إنجاز برتبة «وطني» في مسيرة السلطة الفلسطينية.

أقول لجميع القيادات الفلسطينية: إن من يقابلك بمنطق القوة لا يمكنك مقابلته بقوة المنطق أبداً، كفانا استجداء وطننا من أعداءنا فالأوطان لا تعط بل تؤخذ وتؤخذ بالقوة فقط بكل ما تحمل من معنى عسكري وسياسي وثقافي... وإن كنا سنحصل على دولة فلسطين شفقة وإحسان من دول العالم فنحن بغنىً عنها وليبقى الوضع على ما هو عليه ألف سنة أخرى، وهذا لعمري أفضل بمراحل من أن نورث أبناءنا من بعدنا دولة مسخ يرفرف عليها علم أبيض دليل سلامنا واستسلامنا.. لعمري أبناءنا يستحقون منا أفضل من هذا..

إن التوجه إلى مجلس الأمن لانتزاع قرار بإنشاء دولة فلسطين سيكون دون إجراءات فاعلة على الأرض بوجه دولة البربر، ودون وحدة وطنية حقيقية، ودون حاضن يمثل جميع فئات الشعب الفلسطيني، إن قراراً من هذا النوع سيكون باهتاً وساذجاً، وهو بمثابة اعتراف من العالم حينها بأن الفلسطينيون هم فلسطينيون، فهل سنكون أغبياء لهذه الدرجة لخوض مواجهة ومفاوضات مفتوحة مع دول العالم قد تخور قوانا بعدها لانتزاع اعتراف بأننا فلسطينيون!! نحن لسنا أغبياء ولكننا قد نكون حفنةً من المازوخيين الزاهدين بحقوقهم، نتلذذ بأي شيء حتى ولو كان ذلاً عالمياً في مجلس الأمن.

ليست هناك تعليقات: