2009/12/03

لنستحي.. فشعبنا ليس متسولاً..!

(ياسر قشلق)
دعيت قبل مدة للمشاركة في حفل جمع تبرعات لصالح الفلسطينيين نظّمته جمعيةٌ فلسطينية معروفة في بيروت لمناسبة اقتراب عيد الأضحى المبارك، حين دخلت بهو القاعة، مقر الحفل في إحدى الفنادق الفخمة، التفّ حولي نفرٌ من الصحفيين لأخذ تصريحٍ لا أدري حول ماذا يكون! اعتذرت منهم وتوجهت مع مرافقي لأخذ مكانٍ لنا بآخر القاعة، وقد اعتراني شعورٌ للحظة بأني ربما أخطأت بالعنوان ودخلت إلى حفلٍ آخر، اقترب منّا أحد المنظمين مبدداً شكي حيث طلب السماح له باصطحابي إلى طاولة في المقدمة حملت اسمي سلفاً، فأصريت إذ ذاك على الجلوس في المكان الذي اخترته، وكان لي ما طلبت.



بعد جلوسي بلحظات بدأ «شواش» المكان ينجلي أمامي، رأيت إعلاماً من كل الأنواع مقروء ومشاهد مع بث حي حصري لإحدى الإذاعات، رأيت مشروبات فاخرة وأطعمة لم تكن ثمار البحر أغلاها، فأدركت حينها أني لم أكن في حفلٍ خيري بقدر ما كنت وسط «مهرجان نخاسة» من فئة خمس نجوم..! أدركت أني وسط مزادٍ علني لرجال أعمالٍ فلسطينيين على بضاعةٍ لم تكن سوى كرامة شعبهم البائس..! انكمشت خجلاً في مقعدي آسفاً على حضوري قبل أن أستجمع بعضاً من شجاعتي وأنصرف لأعلن بذلك رفضي المشاركة أو حتى إكمال فصول هذه المسرحية المبتذلة.


عدت إلى مقرّي في بيروت وأفكارٌ من كل صوب تلاطم رأسي، قلت في نفسي ماذا جرى يا ترى لـ«نبالة» رجل الأعمال الفلسطيني حتى ينظّم مهرجاناً يفضح فيه عوز وبؤس أبناء جلدته؟! بل ما هي قيمة هذا الشعب عندنا حتى هانت علينا كرامته لهذا المستوى وهوينا به إلى هذا القاع الحيواني؟!

ثمّ؛ لنعد أصلاً لـ«مفهوم التبرع» الذي يتبجح به البعض، هل يعتبر حقاً إنفاق الرجل على أهله تبرعاً..؟! هل سد حاجة الأخ الميسور لأخيه المعوز إحساناً..؟! دعونا على سبيل المقارنة نلقي نظرة خاطفة إلى ملايين الدولارات التي يقدمها رجال الأعمال الصهاينة حول العالم للدولة الصهيونية ولشعبها الغاصب والتي تقوم بعض وسائل الإعلام بالتقصي عنها بين الحين والآخر وكشفها على العلن مع ما يرافق ذلك من سخط رجال الأعمال أولئك لفضح ما يقدمونه سراً من أموال لإسرائيل، لنقارن أنفسنا بهؤلاء؛ هل حقاً ما نقدمه للفلسطينيين من أموال هو تبرعٌ وإحسان؟ إن كان هذا ما نراه فبئس الشعب نحن، ولعمري إنها لمن الدناءة في مكان أن نتبجح بانتمائنا لأرض فلسطين الطاهرة ونحن على هذا المستوى من الرخص والابتذال.

إنه حقٌّ لمن يتبرع بدمه نيابة عن الأمة أن نحمي أطفاله من شر الفقر والعوز، حقٌّ له فهو يقدم كل ما يملك فداءً لأرضنا جميعاً بينما نقدم نحن جزءاً تافهاً مما نملك، حقٌّ له فهو لا يمنُّ علينا ما يفعل فعار علينا أن نمنّ عليه ما نفعل!

قبل مدة اتصل بي رجل أعمال فلسطيني من الناصرة مهاجر إلى البرازيل، وأعلن استعداده لتعويض مالكي سفينة «الأخوة اللبنانية» التي احتجزتها سلطات الاحتلال الصهيوني في «ميناء أشدود» في شهر شباط الماضي ولم تسمح بدخولها لقطاع غزة، ولقد اشترط علي قبل تحويل الأموال ألّا أكشف عن اسمه أمام وسائل الإعلام! لقد أراده عملاً خالصاً لوجه الله ولفلسطين.. أحييك.. وأتمنى لو نصبح جميعنا مثلك..!

ليست هناك تعليقات: