(ياسر قشلق)
بالمقاييس الفكرية الصرفة تبدو فكرة عقد مؤتمر عربي/ دولي لدعم المقاومة فكرة «طوباوية» بامتياز، ذلك أنها تتناقض وأبسط حقائق التاريخ المتمثلة بالدعم الذي طالما منحته حركات المقاومة والتحرر العالمية للوسط الذي تحيى فيه إن كان على مستوى المكاسب المعنوية أو حتى المادية، فضلاً عن أنها توحي للوهلة الأولى أن لدى المؤتمرين الملكات القادرة على تسهيل عمل المقاومة وحماية شرعيتها التي «كفلتها» أصلاً القوانين والأعراف الدولية.
هذا بالمقاييس الفكرية، ولكن بمقاييس «العالم الحر» وشطحاته: مكافحة الإرهاب والانفتاح والاعتدال والديمقراطية.. تبدو فكرة عقد مثل هكذا مؤتمر فكرة جد واقعية، بل أكثر من ذلك فهي ملحة وتأتي بمنزلة «أضعف الإيمان» الذي يمكن القيام به للوقوف دون تصفية المقاومة كحق بديهي للشعوب بالدفاع عن نفسها.
ولكن هل يعني هذا الكلام أن وجود المقاومة في عالمنا العربي والإسلامي بات مهدداً؟ أخشى أن الإجابة نعم.
حتى نكون واقعيين لا يمكننا إغفال حقيقة تغير العالم بعد تاريخ الحادي عشر من أيلول وما تلاه من احتلال لأفغانستان ثم احتلال للعراق، أقله على مستوى الوعي والمفاهيم، وهذا لا يعني طبعاً أن المقاومة كانت تعيش قبل الهجمات وقبل الاحتلال في شهر عسل، ولكن محاولات العالم الغربي الحثيثة قبل ذلك التاريخ لوأد المقاومة ولطمس معالمها ما كانت أكثر من مجرد مناوشات قياساً بما جرى الإعداد له لاحقاً. فبعد تاريخ الحادي عشر من أيلول استغلت القوى العظمى «تطرف» بعض الحركات الإسلامية كوقود مثالي تمكنت من خلاله، وبما تملكه من مقدرات مادية وإعلامية، من صهر كل حركات التحرر والمقاومة، إسلامية كانت وغير إسلامية، في بوتقة واحدة هي بوتقة «الإرهاب»، وهذه المرة ليس من ناحية التوصيف والدعاية فقط كما كانت عليه الحال قبل 11 أيلول وإنما من ناحية الوعي بهذه الحركات بوصفها المدافع الشرعي عن حق الشعوب بدحر الاحتلال، لقد جرى ضرب وعي الشعوب بحركات المقاومة بـ«مقتل» أخشى أن بعضها يترنح بعده على غير هدى، وما أدلّ على نجاحها في تحقيق ذلك أكثر مما تواجهه اليوم بعض الحركات في فلسطين ولبنان والعراق من عمليات حصار وتهم تخوين وتشكيك بالولاء للوطن.. وتحديداً من قبل وسطها الذي تحيى فيه مع الأسف.
ما يستحق الوقوف عنده أكثر من ذلك، هو يقين القوى الغربية، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية، أن لعبة «قتل وعي المقاومة» أجدى وأنفع من ضرب المقاومة نفسها بالطرق التقليدية التي أثبتت فشلها المطلق. فتجدها، وقد سرّها ما حصدته من نتائج حتى الآن، تسعى للوصول باللعبة إلى حدها الأقصى عبر الإتيان على كل ما تعتبره ناشراً لوعي المقاومة، وكان آخر ما تفتقت عنه المنهجية الأميركية المستندة لمبدأ «فرق تسد» هو سن قانون يمنع استضافة الأقمار الصناعية للمحطات المصنفة «محطات إرهابية»، بعرف الـ«كاوبوي» طبعاً، لتؤكد بذلك مرةً من جديد أنه لا يمكن الفصل أبداً بين الحرب الافتراضية (إعلام وثقافة..) وبين الحرب الحقيقية على جبهات القتال، إنما هذا وذاك ما هو سوى حزمة تعاطي واحدة ضمن إطار ما يعرف بـ«المواجهة المفتوحة مع الإرهاب».
ومع كل ما أثاره القانون الجديد من موجة استياء في العالم العربي بما ينطوي عليه من ازدواجية في تعاطي مروجي الديمقراطية ومتشدقيها مع حرية التعبير، إلا أنك تجد نفسك مباشرةً أمام السؤال: هل حقّاً تشكل بعض المحطات مثل (المنار والأقصى..) تهديداً لاستقرار العالم الحر؟! قد يكون مجرد التفكير في مثل هكذا سؤال مثيراً للسخرية والضحك مقارنةً بما يملكه العالم من وسائل إعلام متقدمة ومن موارد تمويل فلكية لدعم استمراره، ناهيك عن أن هذه المحطات ليست على قدرٍ من الجماهيرية والمتابعة قياساً بالمحطات التي تبث المسلسلات التركية وبرامج الستار..إلخ. لكن الولايات المتحدة لا تفكر بهذه الطريقة المحدودة على الإطلاق، فهذه المحطات غير الجذابة للمشاهد العربي في سياق الأيام العادية، تتحول لوكالات أنباء عالمية وترتفع نسب متابعتها لأضعاف بمجرد اشتعال إحدى جبهات القتال ليس فقط على مستوى الوطن العربي وإنما على مستوى العالم بأسره، الأمر الذي يفرض عليها والحال هي «مواجهة مفتوحة» إلى منع أي تأثير مفترض لهذه المحطات سواء بالأيام العادية أو حتى في حال اشتعال إحدى الجبهات.
قصارى القول، قد ينظر بعض المفكرين والمراقبين لعقد مؤتمر عربي/ دولي لدعم المقاومة بعين الباحث عن مبرر أمام التحديات الأخرى الملحة التي يواجهها المواطن العربي (التنمية، البطالة، الأمية..)، ولكن أمام التهديد المتزايد يوماً بعد يوم بالقضاء على المقاومة من فضاء الفكر العربي تبدو فكرة عقد مثل هكذا مؤتمر أولوية ملحة على سلم التحديات التي نواجهها «قبل خراب مالطة» كما يقولون.
بقي أن أقول لكل القائمين على مؤتمر دعم المقاومة المنتهي قبل أيام قليلة في بيروت: أتمنى أن لا يطوي النسيان ما توصلنا إليه من نتائج في المؤتمر، وأن تعقد لجان متابعة دورية منبثقة عن المشاركين فيه لضمان تنفيذ ما تم إقراره.
بالمقاييس الفكرية الصرفة تبدو فكرة عقد مؤتمر عربي/ دولي لدعم المقاومة فكرة «طوباوية» بامتياز، ذلك أنها تتناقض وأبسط حقائق التاريخ المتمثلة بالدعم الذي طالما منحته حركات المقاومة والتحرر العالمية للوسط الذي تحيى فيه إن كان على مستوى المكاسب المعنوية أو حتى المادية، فضلاً عن أنها توحي للوهلة الأولى أن لدى المؤتمرين الملكات القادرة على تسهيل عمل المقاومة وحماية شرعيتها التي «كفلتها» أصلاً القوانين والأعراف الدولية.
هذا بالمقاييس الفكرية، ولكن بمقاييس «العالم الحر» وشطحاته: مكافحة الإرهاب والانفتاح والاعتدال والديمقراطية.. تبدو فكرة عقد مثل هكذا مؤتمر فكرة جد واقعية، بل أكثر من ذلك فهي ملحة وتأتي بمنزلة «أضعف الإيمان» الذي يمكن القيام به للوقوف دون تصفية المقاومة كحق بديهي للشعوب بالدفاع عن نفسها.
ولكن هل يعني هذا الكلام أن وجود المقاومة في عالمنا العربي والإسلامي بات مهدداً؟ أخشى أن الإجابة نعم.
حتى نكون واقعيين لا يمكننا إغفال حقيقة تغير العالم بعد تاريخ الحادي عشر من أيلول وما تلاه من احتلال لأفغانستان ثم احتلال للعراق، أقله على مستوى الوعي والمفاهيم، وهذا لا يعني طبعاً أن المقاومة كانت تعيش قبل الهجمات وقبل الاحتلال في شهر عسل، ولكن محاولات العالم الغربي الحثيثة قبل ذلك التاريخ لوأد المقاومة ولطمس معالمها ما كانت أكثر من مجرد مناوشات قياساً بما جرى الإعداد له لاحقاً. فبعد تاريخ الحادي عشر من أيلول استغلت القوى العظمى «تطرف» بعض الحركات الإسلامية كوقود مثالي تمكنت من خلاله، وبما تملكه من مقدرات مادية وإعلامية، من صهر كل حركات التحرر والمقاومة، إسلامية كانت وغير إسلامية، في بوتقة واحدة هي بوتقة «الإرهاب»، وهذه المرة ليس من ناحية التوصيف والدعاية فقط كما كانت عليه الحال قبل 11 أيلول وإنما من ناحية الوعي بهذه الحركات بوصفها المدافع الشرعي عن حق الشعوب بدحر الاحتلال، لقد جرى ضرب وعي الشعوب بحركات المقاومة بـ«مقتل» أخشى أن بعضها يترنح بعده على غير هدى، وما أدلّ على نجاحها في تحقيق ذلك أكثر مما تواجهه اليوم بعض الحركات في فلسطين ولبنان والعراق من عمليات حصار وتهم تخوين وتشكيك بالولاء للوطن.. وتحديداً من قبل وسطها الذي تحيى فيه مع الأسف.
ما يستحق الوقوف عنده أكثر من ذلك، هو يقين القوى الغربية، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية، أن لعبة «قتل وعي المقاومة» أجدى وأنفع من ضرب المقاومة نفسها بالطرق التقليدية التي أثبتت فشلها المطلق. فتجدها، وقد سرّها ما حصدته من نتائج حتى الآن، تسعى للوصول باللعبة إلى حدها الأقصى عبر الإتيان على كل ما تعتبره ناشراً لوعي المقاومة، وكان آخر ما تفتقت عنه المنهجية الأميركية المستندة لمبدأ «فرق تسد» هو سن قانون يمنع استضافة الأقمار الصناعية للمحطات المصنفة «محطات إرهابية»، بعرف الـ«كاوبوي» طبعاً، لتؤكد بذلك مرةً من جديد أنه لا يمكن الفصل أبداً بين الحرب الافتراضية (إعلام وثقافة..) وبين الحرب الحقيقية على جبهات القتال، إنما هذا وذاك ما هو سوى حزمة تعاطي واحدة ضمن إطار ما يعرف بـ«المواجهة المفتوحة مع الإرهاب».
ومع كل ما أثاره القانون الجديد من موجة استياء في العالم العربي بما ينطوي عليه من ازدواجية في تعاطي مروجي الديمقراطية ومتشدقيها مع حرية التعبير، إلا أنك تجد نفسك مباشرةً أمام السؤال: هل حقّاً تشكل بعض المحطات مثل (المنار والأقصى..) تهديداً لاستقرار العالم الحر؟! قد يكون مجرد التفكير في مثل هكذا سؤال مثيراً للسخرية والضحك مقارنةً بما يملكه العالم من وسائل إعلام متقدمة ومن موارد تمويل فلكية لدعم استمراره، ناهيك عن أن هذه المحطات ليست على قدرٍ من الجماهيرية والمتابعة قياساً بالمحطات التي تبث المسلسلات التركية وبرامج الستار..إلخ. لكن الولايات المتحدة لا تفكر بهذه الطريقة المحدودة على الإطلاق، فهذه المحطات غير الجذابة للمشاهد العربي في سياق الأيام العادية، تتحول لوكالات أنباء عالمية وترتفع نسب متابعتها لأضعاف بمجرد اشتعال إحدى جبهات القتال ليس فقط على مستوى الوطن العربي وإنما على مستوى العالم بأسره، الأمر الذي يفرض عليها والحال هي «مواجهة مفتوحة» إلى منع أي تأثير مفترض لهذه المحطات سواء بالأيام العادية أو حتى في حال اشتعال إحدى الجبهات.
قصارى القول، قد ينظر بعض المفكرين والمراقبين لعقد مؤتمر عربي/ دولي لدعم المقاومة بعين الباحث عن مبرر أمام التحديات الأخرى الملحة التي يواجهها المواطن العربي (التنمية، البطالة، الأمية..)، ولكن أمام التهديد المتزايد يوماً بعد يوم بالقضاء على المقاومة من فضاء الفكر العربي تبدو فكرة عقد مثل هكذا مؤتمر أولوية ملحة على سلم التحديات التي نواجهها «قبل خراب مالطة» كما يقولون.
بقي أن أقول لكل القائمين على مؤتمر دعم المقاومة المنتهي قبل أيام قليلة في بيروت: أتمنى أن لا يطوي النسيان ما توصلنا إليه من نتائج في المؤتمر، وأن تعقد لجان متابعة دورية منبثقة عن المشاركين فيه لضمان تنفيذ ما تم إقراره.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق