2010/02/10

في مديح النفاق..

ياسر قشلق


(ياسر قشلق)
ما أجمل أن يكون الفلسطيني كل شيء، يسارياً، إسلاميا،ً راديكالياً، علمانياً، شيفونياً، شيوعياً، وليبرالياً.. كل شيء وأي شيء ولا شيء في آنٍ معاً..! ما أجمله حين يخلع عنه أيديولوجيته مع ثياب المساء، ليرتدي في الصباح الذي يليه أيديولوجيا مختلفة تتناسب وظروف يومٍ جديد! ما أجمله حين يسلك «درب النفاق» إن كان يفضي إلى وطن!! بل قل: ما أجمل ذاك اليوم الذي يقتنع فيه الفلسطيني أن «البراغماتية عكاز السياسة» وأنّ أصلب عكاز يحميه من التعثر والسقوط هو أن يجيد «النفاق»!!



هل ما قلته مبالغة؟ ربما؛ لكن حسبي أني أدعو لتكون عقيدتنا الوحيدة التي نؤمن بها ونخلص للوصول إليها هي الوطن، ومن ما زال يعتقد إلى الآن أن إخلاصه لمواثيقه التي قام عليها أو إيمانه بعهوده التي قطعها أو تمسكه بحجر الأيديولوجية في رأسه.. توصله إلى وطن، فهو إما «ساذج وسخيف» لا يعرف بعد كيف يصنع وطناً، أو «متخاذلٌ» لا وجود للوطن على قائمة أولوياته، وفي كلا الحالين الشعب الفلسطيني بغنى عن وجوده وعن «جهوده» أيضاً، إن كان حقاً ثمة من جهود يبذلها في سبيل الوصول إلى الوطن.
المشكلة، وهي ما دعاني لهذا الحديث، أننا نحن الفلسطينيون لا نتعلم من أخطاء الماضي أبداً وكأنه لا يشكل جزءاً منا وكأننا ما عشناه يوماً، فمثلاً حين كان الاتحاد السوفييتي قائماً تلبسنا أيديولوجيته المملة بإخلاص يثير عجب العجاب حتى بين قادة الاتحاد أنفسهم، أصبحنا شيوعيين مثاليين بل أصبح فينا من ينظّر للماركسية أكثر من الثنائي ماركس ولينين..! و«فرَط» الاتحاد السوفييتي.. وسقطت قبعته عن رؤوسنا الفارغة، وبدلاً عن تركها، رؤوسنا، عاريةً تحت ضوء الشمس لنقضي على ما أصابها من عفن، سارعنا ببلاهة لخنقها مجدداً بالعمامة وبطاقية «الكاو بوي»... تحت ذريعة أننا محتاجون لـ«مظلة» تحمينا!!! فعدْنا من جديد وسلّطنا على أنفسنا أيديولوجية اللون الواحد والطريق الواحد المفضي إلى الهاوية..


لكم أتمنى أن يأتي يوم يسأل فيه اللاهثون وراء «المظلة» أنفسهم ماذا قدمت لنا «المظلة الفلانية» لترسيخ حقوق اللاجئين.. أو لوقف الاستيطان.. أو لاستعادة القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية..؟! أتمنى أن يواجه هؤلاء يوماً حقيقة أن هذه «المظلات» التي نتغنى بالانتماء لها ما قدمت لنا إلا مزيداً من العراقيل أمام مصالحتنا، المشلولة أصلاً، أتمنى.. ولكن أحداً لا يعترف بالماضي الذي وقّع عليه هو نفسه على أنه خطيأة بحق الوطن!


من الجميل أن يكون لنا مظلات تحمينا، وأنا لا أدعو إلى التخلي عن القوى العالمية الفاعلة، بل على العكس، أدعو للاندماج أكثر بهذه القوى، ولكن دون الإخلاص لأحد بعينه كائناً من كان، فلماذا علينا أن نكون مخلصين لأحد طالما نحن بدون وطن؟! لماذا علينا أن نكون «ملكيين أكثر من الملك»؟ وما المانع أن نستثمر اليوم خلافات الصين مع أميركا.. وغداً خلافات فنزويلا.. ثم روسيا وتركيا وهكذا.. دون الارتهان لأجندة واحدة بعينها؟ ألم نذق طعم العلقم سابقاً من إخلاصنا للاتحاد السوفييتي؟ ألا نخشى أن يتكرر الأمر مجدداً اليوم مع القوى التي نتبنى أيديولوجيتها أكثر منها؟!


الغريب أن فينا من «يزيد الطين بلة» ويدعي أنه مخلص لأفكار وليس لحملتها، وأن إخلاصه لتلك الأفكار جاء نتيجةً لأخلاقياتها العالية ولمبادئها السامية «إسلامية أو شيوعية...»!!! ما أجمل الرومانسية في هذا الكلام!!


أريد أن أطرح سؤالاً هنا هل هناك من فكْر على وجه الأرض لا يحمل بين ثناياه أخلاقاً؟ لننظر مثلاً إلى الفعل الأخلاقي السامي الذي صدر مؤخراً عن القائمين على «شركة تويوتا» اليابانية عندما سحبوا آلاف السيارات من شوارع العالم لأنها مخالفة لبعض المواصفات دون أن توجه إليهم أي شكوى ولا حتى طلب! هل خسر اليابانيون عشرات المليارات لأنهم إسلام؟! هل أفتى لهم «الأزهر الشريف» بضرورة فعل ذلك وإلا فمصيرهم جهنم و«بئس المصير»؟!


في اعتقادي أنه آن لنا التوقف عن لعب دور «المعوقين» في هذه الحياة، ولنلتفت برجولة إلى حقوقنا، فنحن قادرين على استعادتها سواء أكنّا وثنيين أم راديكاليين أم أي شيء آخر، المهم أن ندرك حقيقة كوننا هامشيين طالما بقينا بدون دولة يرفرف على أرضها علمنا، العلم الفلسطيني!
سألني أحد الأصدقاء ممازحاً؛ هل أنت سني أم شيعي أم شيوعي..؟! قاطعته ضاحكاً: «أنا على دين تويوتا»!

ليست هناك تعليقات: