2010/02/17

رسالة من لاجئ إلى «أبو حسين»! (2).. مسكين أنت يا أوباما


(ياسر قشلق)
«أبو حسين».. 
كما في رسالتي الماضية إليك، أريد في رسالتي الجديدة هذه أن نعيد، أنا وأنت، ترتيب بعض الأحداث المتعلقة بما تسميه «ملف السلام في الشرق الأوسط»، وبالذات تلك الأحداث التي لم تأخذ حقها من دائرة الضوء، وكانت بنظري السبب وراء تحطيم الآمال العريضة التي عقدها عليك البعض إبان توليك منصبك في البيت الأبيض قبل عام ونيف.



سأبدأ حديثي معك منذ اللقاء الأول الذي جمعك برئيس حكومة الاحتلال المجرمة بنيامين نتنياهو، ذاك اللقاء الذي اعتبره كثيرٌ من المراقبين، وغير المراقبين، دليلاً على تغير تعاطي السياسة الأميركية مع القضية الفلسطينية، إلى حد وصْفه بـ«لقاء التحول». ولا أخفيك، أنني كنت من ضمن جماعة المتفائلين وقتها، إلا أني لم أسمح لنفسي بالانجراف وراء الحلم، فقد كنت أعتقد، وما زلت، أن تجربة دهرٍ من الألم أعمق من أن تزيلها ثلاثة أشهر، هي عمر تواجدك في البيت الأبيض في ذلك الوقت.

ورغم ذلك؛ حين حدث اللقاء، تساءلت وقد ساورني الشك، هل يعقل أن يفلح «أبو حسين» بإرغام نتنياهو بعد جلسة واحدة أن يعلن تنازله عن بناء مستوطنات جديدة في الضفة، وأن يجعله يسمح لوزير دفاعه باراك بإزالة 22 بؤرة استيطانية عشوائية وبالقوة؟! ربما حصل ذلك فعلاً فقد كان اللقاء ظاهرياً خطوة أولى في نزول نتنياهو من أعلى درجة يتربع عليها في سلم رفض الدولة الفلسطينية، لكن الشك يبقى مشروعاً، فنتنياهو هذا عادةً ما أصفه مع أصدقائي بـ«بغل السياسة» لعناده المريض وتمرسه غير المسبوق بـ«الجدلية السياسية»، وأنت لا زلت حديث العهد به بشكل خاص وبمكر الصهاينة من اليهود بشكل عام.. قلت لنفسي لننتظر.
نتنياهو بعد ذلك، وخلال فترة تواجده القصيرة في واشنطن، قلب السلم ليهبط به صعوداً، فعقب اجتماعه بك طرح سؤالاً ماكراً على مجموعة من المقربين منه هناك، سألهم: «ما الذي يحرك مشاعر أوباما»؟ وكأني به يقول من خلال سؤاله «المفتاحي» هذا: «أبو حسين ليس سياسياً أبداً ولن يكون، وهو ليس أكثر من مراهق تحركه الأحاسيس والمشاعر، وباللحظة التي أعرف فيها الشيء الذي يحرك عواطفه، سأطوي إلى الأبد اندفاعه الذي بدأ به عهده»..!

نعم يا «أبو حسين»، نتنياهو هزئ بك وسأل عمّا يحرك مشاعرك، وأنا على يقين أنه قد وجده، فقد تخليت عن حلمك بتحقيق السلام، وتنازلت عما أقررته في خطابك بالقاهرة من أن الحل السلمي للصراع الإسرائيلي/ العربي هو «مصلحة قومية» لأميركا، تخليت عن مصالحكم القومية عندما سمحت لنتنياهو بقتل السلام بشروطه الأكثر من تعجيزية. تخليت أيها الأميركي عن أميركا التي احتضنت يوماً حلم أبيك اللاجئ، إلا إن كنت تعتقد، لا قدر الله، أنه يتوجب على الفلسطينيين فقط الزود عن مصالحكم القومية عبر قبولهم بيهودية إسرائيل، واعترافهم بحقها في الاستيلاء على أرضهم، وحقها في منع قيام دولة عربية فيها، ومشروعية قتلها لهم صبح مساء!
أيعقل أن يكون تفسير كل هذا الفشل هو معرفة نتنياهو ما يحرك مشاعرك؟ أيعقل أن تفلح أكاذيب نتنياهو بتغيير ما عاهدت نفسك والعالم على تحقيقه في حين يفشل عري وجوع أطفال غزة بتحريك ساكن فيك؟ ما الذي حرك مشاعرك يا «أبو حسين» وتخليت لأجله عن السلام؟ أتمنى لو أني أعرف يوماً، لكن السؤال الأهم من ذلك كله بنظري هو معرفة الفارق بين إدارتك والإدارة السابقة؟ هل تستطيع أنت أن تجد فارقاً عن سلفك بوش الذي أقسمت على طي عهده إلى الأبد؟ أنا أستطيع؛ بوش كان واضحاً، كان يقتلنا باسم الحرب التي امتلك إرادتها، أما أنت فتقتلنا باسم السلام الذي حصلت على جائزته ولم تمتلك الإرادة في تحقيقه، وإن كان بوش قد انتهى «مجرم حرب»، فحذار يا «أبو حسين» أن تنتهي يوماً «مجرم سلام»..! فلم يبق حتى تتطابق تجربتكما تماماً، من حيث النتيجة، إلا أن تعيد تكرار اسطوانته المشروخة: «لا يوجد شريك فلسطيني لإسرائيل في مفاوضات السلام»، أما نحن «اللاشركاء» فليس لدينا بعد هذا التخاذل سوى المقاومة، مقاومة حربكم ومقاومة سلامكم على حد سواء.

لكن يبقى رغم ذلك ما يشغلني؛ فإن كنت يا «أبو حسين» لا تتحرك كسياسي كما يدعي نتنياهو، وإن كانت وزيرة خارجيتك هيلاري كلينتون ليست سياسية كذلك بإثباتها هي حين تعاملت مع المعنيين بالصراع أكثر من مرة بصفة «امرأة» يسهل اللعب بعواطفها، وإن كان مبعوثك للسلام يكتفي ببروتوكولات الصالونات التي يمارسها كلّما زار المنطقة بعد زهده بالسعي نحو تحقيق ما كلف لأجله، فلمن إذاً تترك حل الصراع؟ لعباس مثلاً؟ وماذا يملك عباس ليحقق السلام من أوراق ضغط بوجه بغل السياسة؟ هل تظن أن التهديد بالتخلي عن منصبه ورقة ضغط؟ حسناً؛ حتى هذه فرمتها وزيرة خارجيتك وفرّغتها من قيمتها عقب إطلاقها بقليل! وأقسم انها لو كانت عربية لزغردت من الفرحة حتى تثبت مدى محبتها لليهود.
هل بعد هذا لا تزال مؤمناً بأنك قادر على تحقيق السلام؟ إن كنت كذلك فصدقني أيها اللاجئ في وطنه أنك لا تدري ماذا يعني السلام. السلام يا «أبو حسين» يبدأ حين تتوقف عن النظر إلينا بوصفنا مجرد سكان يفرزون مشكلة ديموغرافية، فنحن شعب له حقوق شرعية وتاريخية بأرض أجداده لا يمكن التخلص منه أبداً. السلام يبدأ حين تكسر الحصار عن غزة وليس حين تسمح لشركات أميركية بأن تبني جداراً فولاذياً يزيد من حدته وبمناسبة الحديث عن غزة، هل يعقل يا «أبو حسين» أن يكون حصارها مصلحة قومية أميركية حتى تبني لمصر جداراً فولاذياً عازلاً على حدودها، وأن تكون حريتها في الوقت نفسه مصلحة قومية فنزولية حتى يشترك رئيسها بكسر هذا الحصار، أي مفارقةٍ هذه؟ وأي قدرةٍ جبارة لهذه المدينة العظيمة تستطيع بها تفريق العالم إلى حدي نقيض معها وعليها في آن؟

أعود للحديث عن السلام، صدقني يا «أبو حسين»، أنا اللاجئ مثلك، أن السلام يبدأ حين تمنع قتل أطفالنا وليس حين تقدمهم قرابين أسطورية على أعتابه! وأن السلام يبدأ حين تدرك، بالفعل لا بالقول، أنه مصلحة أميركية مستقلة تماماً عن مصالح اللوبي اليهودي، ذاك هو السلام الحقيقي، فصدقني!
وصدقني أيضاً أنك ما عدت الرئيس الحلم بالنسبة للفلسطينيين، فبعد نجاح نتنياهو في كسر إرادتك فقدوا ثقتهم بك، وهم اليوم يسخرون علناً من استمرار ادّعائك أنك تريد تحقيق السلام، يقولون: إن كان «أبو حسين» عاجزاً، وهو يملك كل هذا القدر من القوة، عن فتح معبر «رفح» لنا، فهل هو قادر على تحقيق السلام؟ معهم الحق، هم لا يطلبون الكثير، كل ما يريدونه منك الآن إشارات تثبت قدرتك على التأثير، يريدون أن تفتح معبراً يدخلون منه مياهاً يغسلون بها أمواتهم، فهل هذا كثير؟!

أخشى يا «أبو حسين» أنه كثير، فأنت عاجزٌ عن فعل أي شيء، وقد قلتها علناً قبل مدة في إحدى المقابلات أنك «ملتزم بأمن إسرائيل حتى النهاية»، ولا أعتقد أنه من الأمن لإسرائيل بشيء أن تكون مثلاً على رأس سفينة دواء أميركية لأطفال غزة كما ينوي عدوّك وصديقي الفنزولي هوغو تشافيز أن يفعل!
بقي عندي سؤالٌ أخير أطرحه عليك، ماذا ستقول لأبنائك وأحفادك إن سألوك يوماً عن السبب الذي حصلت لأجله على جائزة «نوبل للسلام»؟ أليست هذه الجائزة الذكرى الوحيدة من البيت الأبيض التي ستحملها معك طوال عمرك؟ سأساعدك في الإجابة: سلفك بوش كتب تحت جائزته، وهي «كندرة» كما تعلم، كتب عبارة: «هذا ما جنته عليّ حربي الكاذبة»، أقترح عليك أن تكتب أنت أيضاً: «هذا ما جناه عليّ سلامي الكاذب».. لن أقول المزيد سوى: مسكينٌ أنت يا أوباما..!

نشرت في (جريدة السفير)


ليست هناك تعليقات: