2011/11/06

سوريّة بدها.. أضحيّة!!

ياسر قشلق
(ياسر قشلق | )

أضاحي العيد هذه السنة لا بد وأن تشعر بالأسى على نفسها، بالغيرة، وبالهزيمة أيضاً.. فهي وبوصفها قرابين خلاص وانعتاق بالمعنى الوجودي للكلمة تجد نفسها أمام تحدٍ لا قبل لها به أبداً.. إنها تواجه أضاحي بشريةً تقدم نفسها «راضيةً مرضيّة» قرابين خلاص على مذبح الحرية.. فأي تنافسٍ سورياليٍّ هذا..؟! أضحية العيد تذبح فداءً للإنسان الأضحية!! 

يبدو أن القدر يعيد ترتيب خشبة المسرح الكوني بامتحانٍ جديد.. والممتحن اليوم ليس إخلاص إبراهيم وبرّ إسماعيل.. الممتحن ذريّةٌ بأسرها تجزم أنها اجتازت الامتحان بجدارة وأنها تستحق إذ ذاك «ذِبحاً عظيماً» يحقن دمائها ويعيد لممثلي المسرح أدوارهم المملة السابقة: الإنسان إنسان.. والأضحية أضحية..

لكن أوتدري أيها القارئ؟ لا تكمن المشكلة بتأخر الفداء متمثلاً بـ«الذبح العظيم»، إنما المشكلة هي مدى قناعتنا نحن «الأضاحي البشرية» أن ما يعرض لنا هو فداؤنا المنتظر فنلقي إذ ذاك ما في يميننا تلقف ما يئفكون كما فعل مرةً أبونا إبراهيم حين رأى الكبش نازلاً من السماء فألقى سكين يمناه وكفّ عن ذبح إبنه إسماعيل. إما أن نقتنع بالفداء المعروض وإمّا أن ننتظر فداءً يتطابق مع تصوراتنا لنهاية الحكاية.. 

ولكن.. وأثناء وقوفنا بمحطة الانتظار، هل لنا أن نفكر للحظةٍ أن الفداء الذي ننتظر قد لا يكون «ذِبحاً عظيماً» كما نتصور؟ لربما كان مبادرةً مخلصة توفر علينا سيولاً من الدماء وأعواماً من الخراب.. ربما يكون الفداء كذلك.. فلماذا لا نعيد التفكير طالما أننا نملك متّسعاً من الوقت..؟! 

لماذا لا نعيد التفكير بالتجربة الليبية الطازجة؟ 
هناك رأى الثوّار في القذافي كبش فدائهم. كلّفتهم مطاردته حتى تمكنوا من ذبحه تخريب مسرحهم الليبي بكامله بعد ذبح أكثر من خمسين ألفاً من الأضاحي البشرية.. ولا ننسى أنه وبالإضافة لهذه النتيجة المرّة فقد اعتلى المشهد الليبي اليوم عشرات آلاف المسلحين الذين لا ينوون قريباً التخلي عن دورهم الجديد. أعني إن الجميع يتوقع اليوم ذبح المزيد من الأضاحي الليبيّة ثمناً مؤجّلاً لذبح القذافي بوصفه «كبش فداء»..!! فأيُّ رؤيةٍ عبثيةٍ تلك التي فرضت تصوراً أحاديّاً على المسرح الليبي؟! 

أحمقٌ من لا زال يعتقد أنه لا توجد أزمة في سورية أو أنها انتهت (جماعة خلصت).. وأكثر منه حمقاً من يرى في الأحداث أزمة لكنه يرى نهايتها بزوال أحد طرفيها، أقولها آسفاً: إننا لو اعتقدنا كذلك سنخسر جميعاً ولن يربح الوطن شيئاً.. 

إن أزمةً كالتي تدور في سورية اليوم هي من النوع الطاحن للجميع إن لم يتدارك هذا الجميع برمته الوقت ويفكر مخلصاً بمخرجٍ واقعي وموضوعي يجنب البلاد مصيراً أسوداً مدلهماً كليالي الشتاء الطويلة.. 

من الممكن أن تشكل المبادرة العربية الأخيرة سلّماً يُنزل طرفي الصراع عن الشجرة التي اعتلوها.. وهي تفرض جديّاً التعامل معها بوصفها أحد الحلول المفترضة.. 

لا أريد بهذا المقام أن أقول إن المبادرة هي الحل الوحيد، لكنّي لا أريد أيضاً أن أعدد مثالبها وهي كثيرة.. أنا فقط أدعو للتعاطي معها بأكبر قدرٍ من الجديّة على الأقل لأن الظروف تفرض ذلك لقطع الطريق أمام من يضمر بالوطن شراً.. أمّا الحل الحقيقي فجميعنا يعلم أنه سيكون بالنهاية «تحت سماء الوطن». بالمناسبة أكره أن أقول «تحت سقف الوطن»، فأنا أخشى بصراحة أن يكون لوطني سقف يشتريه أحد السماسرة، سماسرة الأوطان، ويبني فوقه طابقاً دون ترخيص، أكره أن يعتلي الوطن سمسار. 

أخيراً؛ ثمة مكانين على هذه الأرض أتشظى بهما، سورية مسقط رأسي وفلسطين مسقط روحي.. وإني لا أكتب حرفاً بهذين الحبيبين إلا مؤمناً بهما ومخلصاً لهما.. نحن اليوم في العيد.. لنحاول جميعاً ما استطعنا حقن الدماء وإنقاذ الوطن الذي لا أعتقد أن أحداً يختلف على محبته مع أحد.. ولنعيد سويةً ترتيب مسرحنا بما يتوافق وخصوصيتنا التي كنا نفاخر بها.. فربما عندها يعود الإنسان إنساناً والأضحية أضحية.. وكل عامٍ وأنتم بخير.. 

*** 
خارج النص: كم أشعر بالأسى أنّي مجبرٌ أن أضحك بوجه أطفالي لأشعرهم بفرح العيد.. لكنّي حين أزورك يا أبي لا أستطيع إلا أن أطأطئ رأسي خجلاً لتأخري بالإيفاء بما وعدتك بأني سأعيد قبرك يوماً إلى صفد. 

لا أستطيع أن ألبس لك وجهاً ضاحكاً في العيد يا أبي. فأنت الوحيد الذي يدرك معنى أن يكون ابنه حزيناً في العيد. أعلم أن هذه الذكرى العاشرة التي تمر على وعدي لك بالعودة.. لكنك أنت مسجىً بقبرٍ بلا حدود تكبل حريتك. أمّا أنا فالحدود تقبرني ولا تكبّلني وحسب. سامحني يا أبي وكل عامٍ وأنت حيٌّ بذاكرتي وحرٌّ في قبرك.


المصدر: http://www.dp-news.com/pages/detail.aspx?articleid=102449#ixzz1lTPr5BZK


ليست هناك تعليقات: