2011/11/27

حين تسقط الروح إلى أعلى

ياسر قشلق
(ياسر قشلق )

الحياة عبارة عن سباق تتابع بين الشهيق والزفير. ينزل الشهيق حاملاً راية الروح ليسلمها للزفير الذي يصعد بدوره للأعلى باحثاً عن شهيقٍ آخر يستلم الراية. وهكذا إلى أن يحدث خطأ ما في التنسيق بين المتسابقَين فتسقط راية الروح من يد أحدهما.. تسقط الروح إلى الأعلى. والسقوط إلى أعلى نسميه إجلالاً بالـ«موت». 

كل أنواع الموت: رصاصة قناص في الرأس. لقمة تائهة في مجرى التنفس. جلطة سوداء في القلب.. كلّها على اختلافها ما هي إلا هوامش عرضية في نصِّ العمر يتلخّص دورها في إحداث «الخطأ» بين أحد المتسابقين الرئيسيين على مضمار الحياة: الشهيق والزفير. صرخةٌ فجائية تفزعهما فتسقط راية الحياة من يد أحدهما وينتهي عمرك أيها الحالم بغدٍ جديد.

«غدك الجديد» هذا هو أول ضحايا موتك.. فلن تقضي فيه عملاً طالما أجّلته حتى يأتي. لن تزور فيه أمّاً طالما اشتاقتك. ولن تُفرح فيه طفلاً من صلبك طالما حلم أن يكون صديقك في يومٍ من العبث معه لا يقطعه رنين هاتفك الشيطاني. وبطبيعة الحال لن تتوب فيه من آثامك أيها المثقل بالذنوب. 

ورغم ذهابك حيث لن تعود مرةً أخرى إلا أنّك ستكون لمرّةٍ أخيرةٍ «بطل» غدك الجديد بلا منازع.. سيبكيك الناس بحرقة، وسيحملوك طوعاً كالأبطال، وسيفعلون لك وسيفعلون.. لكنهم سيقبرونك في النهاية. ومع كل «غدٍ جديدٍ» آخر يأتي بعدها سيقل عدد الذين يبكونك، يأتي «غدٌ» ينزعون فيه صورك عن الجدران وآخر يبيعون فيه أريكتك جوار المدفأة.. إلى أن يأتي «غدٌ» يطويك فيه النسيان.. عندها أيها «البطل» يكون ما بقي لك من أثرٍ بالحياة ليس أكثر من أثر الطائر على رمال الصحراء. هي نسمة ريحٍ خفيفة وتختفي إلى الأبد.. 

بقي لك دورٌ أخير تقوم فيه قبل الاختفاء العظيم.. تفاوض مع طيفك الذي لا يزال متشبثاً بعمود الإنارة قرب منزلك حتى يصعد بسلامٍ إلى السماء.. تفاوض معه أنت بالذات فهو يرفض أن يعترف بالنهاية رغم مرور جنازتك قربه. قل له: إن أطفال الحي أصبحوا يخافون من الخروج مساءاً بسببه.. قل له: إنه من الممكن أن يصرخ فجأةً بوجه أحدهم فتسقط روحه مبكراً إلى الأعلى..


المصدر: http://www.dp-news.com/pages/detail.aspx?articleid=104463#ixzz1lTVeJ6ck

ليست هناك تعليقات: