2011/12/06

لا إخوان ولا مسلمون..!

ياسر قشلق
(ياسر قشلق )

يعلم الجميع أن خلط الدين بالسياسة كارثة المجتمعات الحديثة بلا منازع، لكن الإخوان المسلمون لا يعلمون ذلك، فهم ببساطة لا ينتمون إلى الجميع بل إلى الجماعة، وللجماعة قانونٌ مختلف يحكمها، قانونٌ يشرعن لها عند الضرورات وما -أكثرها بأعرافها- أن تخرج عن إجماع هذا الجميع ومصالحه لتبيح لنفسها المحظورات حتى لو كانت من الكبائر التي تدّعي محاربتها.. كل ذلك ممكن طالما أمكنها تغليف مواقفها المتقلبة بجبّةٍ قصيرة ولحيةٍ وزبيبةٍ في الجبين! 

بذرة الإخوان المسلمون في الوطن العربي زرعها حسن البنا في مصر، واستطاع بعد سنين قليلة من تأسيسها أن يرسي هيكليتها التي تسير عليها حتى اليوم: «قواعد شعبية محافظة حد التزمت، وقيادات سياسية براغماتية حد التناقض»، وأيّ تناقض؟! البنا تحالف مع الإنكليز ضد الملك فاروق، ثم تحالف مع الملك فاروق ضد الوزارة، وزارة النحاس باشا، ثم تحالف مع حزب الوفد ضد الجميع، ثم خرج عن تحالفه مع الوفد والتصق بجماعته لاستبعاد الوفد اسمه من قائمة مرشحي الانتخابات، ثم تحالف مع نفسه ضد جماعته ووصفهم في بيانٍ شهير له بقوله: «هؤلاء لا إخوان ولا مسلمون»، قيل، والعهدة على نظرية المؤامرة في هذا، إن الجماعة تحالفت أخيراً ضده وقتلته في ليلةٍ ليلاء لا فيها خَفر ولا فيها قمر..! طبعاً كانت هذه التحالفات والخصومات تسير جنباً إلى جنب مع عنفٍ ودمار لم تجد الجماعة حرجاً في استخدامه كلما واجهت عائقاً يحول بينها وبين الوصول إلى غاياتها، وبالتأكيد كان ذلك على الدوام تحت ذريعة «إعلاء كلمة الله على الأرض»!!


انتشرت ثمار الإخوان المسلمون التي زرعها البنا في مصر كالنار في هشيم وطنٍ عربيٍّ منكسر ومحبط من أنظمته العربية الوليدة التي حاولت لبس لبوس العلمانية لمغازلة الغرب، وسارت الجماعات الجديدة على هدي البنا في سياسته البراغماتية العنيفة، وتحوّلت هذه الجماعات بالتقادم إلى ما عرف لاحقاً بـ«المعارضات التقليدية» للأنظمة العربية، كانت هذه المعارضات طبعاً الأكثر تنظيماً والأكثر تمويلاً -وهذا لا يعود إلى متانة فكرها بقدر ما يعود إلى انعدام شعبية منافسيها من ليبراليين وشيوعيين في أوساطٍ عربية رأت في الدين مخلصها الوحيد- ورغم هذا ورغم خلو الساحة لها وحدها تقريباً من أي منافسٍ قادرٍ على إزاحتها إلا أنها بقيت معارضات سلبية جوفاء، بقيت تنتظر فعلاً من الأنظمة العربية حتى تقوم برد فعلٍ مخالفٍ دون أي مضمون إيجابي ودون أن تستطيع ولو مرة واحدة إيجاد حلٍ موضوعيٍّ لواقعٍ بائس يزداد تردّياً يوماً بعد يوم في ظل دكتاتوريات عربية يتعاظم فسادها باستمرار، وكنتيجةٍ أخيرة لكل هذا وبدل أن تأخذ جماعات الإخوان دور المعارضات الفعّالة تحولت، بقصدٍ منها غالباً، إلى هياكل تتشابه والأنظمة العربية التي تدّعي معارضتها، في حين لم تتوان هذه الأنظمة عن استخدامها، وغيرها من الجماعات الإسلامية، كـ«فزّاعات تطرف وفوضى» لإبعاد طيور التغيير عنها سواء أكانت هذه الطيور محليةً مدجّنة أم مهاجرةً من الغرب، الغرب الذي انطلت عليه فعلاً هذه الحيلة فاعتقد أن هذه الفزاعات «حيةً تسعى» ليتحاشى بالمحصلة النهائية حتى التفكير باحتمال وجود بدلاء لأي نظامٍ ديكتاتوري يعيث إفساداً بالخلق والخليقة. ويمكن تلخيص الحال الذي انتهى إليه الواقع العربي قبيل اشتعال ما يعرف بـ«ثورات الربيع العربي» بما جاء في خطاب وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس في القاهرة أيام حكم المتنحي حسني مبارك: «كُفُّوا –تقصد الأنظمة العربية- عن محاولة إقناعنا بأن هذا الإصلاح سيسقط الحكم في أيدي قوى إسلامية وقومية متشددة. ستون سنة ونحن نعفيكم من الديمقراطية في سبيل الحفاظ على الاستقرار, فكانت النتيجة أن غابت الديمقراطية ولم يحضر الاستقرار»!! 

اليوم؛ تعود جماعات الإخوان المسلمين للظهور وقد وجدت لنفسها مكاناً في قطار الثورات العربية، تعود رافعةً شعاراتها القديمة ذاتها: «الإسلام هو الحل»، تطالب الجميع بتصديق أنها مؤمنة بهذه الشعارات، رغم أنها إما لا تعي أو لا تعني ما تقول، فأبسط ممارساتها على أرض الواقع لا تشير حقاً هذه المرة أنها معنية بـ«إعلاء كلمة الله على الأرض» بقدر ما هي معنية بالوصول إلى «سدة الحكم» وهو منتهاها المنشود. 

في مصر –مثلاً- ركب الإخوان موجة الثورة في اليوم الثالث أو الرابع من انطلاقتها، ولو أنهم لم يدركوا أنها موجة جارفة للنظام لما وجدتهم في ميدان التحرير بل لوجدت شيوخهم يحدثون الشباب عن الهاوية التي سيسقطون بها في حال خروجهم بالمظاهرات المطالبة بإسقاط مبارك. شكّلوا حزباً جديداً لهم «حزب الحرية والعدالة» ضم عدداً من الأقباط ليبزّوا الغرب أنهم يرضون بالتعددية وفبركوا مسرحيةً سخيفة عن رفضهم تقديم مرشحٍ للرئاسة ليقدموا مرشحاً «الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح» يستهين على الملأ بقرارهم بفصله عنهم في حال أصر على ترشيح نفسه، إنهم يحاولون الآن إحاطة الثورة من كافة الثغور تحسباً لأي طارئٍ لا يوصلهم إلى حكم مصر. ومن إحاطاتهم للثورة تحالفهم المكشوف مع المجلس العسكري في صفقة لم تعد تخفى على أحد وهي تنازلهم عن الرئاسة مقابل فوزهم بأغلبية أعضاء البرلمان لتشكيل الحكومة المصرية المقبلة، طبعاً تنازلهم عن الرئاسة مؤقت ويمكن الالتفاف على هذا التنازل بأقرب فرصة مواتية عبر أبو الفتوح أو سواه.

الطريف حقاً أن إخوان مصر لا زالوا يسيرون على نهجهم القديم ذاته من ناحية المعارضة السلبية، لم يدركوا حقاً حجم التغيير الحاصل، وأنهم حين يرفعون شعارهم القديم: «الحركة لا تريد..» فإنهم يرفعونها بوجه «الشعب الذي يريد..» وليس بوجه نظام مبارك، وهذا التعارض بينها وبين الشعب هو الدليل القاطع على الخواء الفكري والتنظيمي للجماعة أمام حيوية وديناميكية الثورة المصرية التي لا بد وأن تضع في النهاية حداً لتحالفات الجماعة مع العسكر التي أثمرت الانتخابات البرلمانية حيث أكد فوزهم بجولتها الأولى براعتهم في عقد التحالفات والصفقات، إنها تحالفات وبراغماتية البنا نفسها، البنا الذي وصف جماعته بأنهم: «لا إخوان ولا مسلمون»! 

بعيداً عن إخوان مصر، حال الثورة التونسية مع «إخوان تونس» ليس أفضل حالاً من مثيلتها المصرية فالمرجعية نفسها متجسدةً بحسن البنا وعرّابه السيد قطب، فالغنوشي، رئيس حزب النهضة التونسي توأمة تيار الإخوان المسلمون، الذي يعتبر أن «الخلافة السلطانية كانت النموذج الرائع الذي ذبحه النموذج الغربي» لا يجد ضيراً في مغازلة هذا النموذج عبر التأكيد أن تقديم الخمور في تونس وخروج المرأة بلباس البحر حرية شخصية لن يعارضها مستقبلاً! 

وحتى في سورية ما إن بدأت الاحتجاجات حتى بدأت قيادات الإخوان المرفهة ببريطانيا بالتقاطر لإجراء مقابلات في التلفزيون الصهيوني لضمان مباركة الكيان لهم واعتبارهم بديلاً معتدلاً يمكن التوصل معه إلى صيغةٍ تشبه الصيغة التركية!! 

إن الأحداث التي عمت الوطن العربي كانت ضد واقعٍ بائس، واقعٌ لم تكن جماعات الإخوان بعيدةً عنه إن لم تكن شريكةً فيه بالفعل، وهي وإن كانت تتلطى بظلال المعارضة فإنه لا يمكن لأحد تجاهل أن «الأنظمة تنتج معارضات تشبهها»، وهذا الشبيه لو تسنى له فعلياً الوصول إلى الحكم سواء في مصر أو تونس فإنه سيعيد إنتاج المرحلة التي سبقته بقالبٍ جديد ولكن بالمضمون المتردي ذاته، فهل خرجت الشعوب العربية من بيوت الأنظمة المتهاوية لتدخل «بيت طاعة» الإخوان المسلمين؟ وهل ستسمح ثوراتهم بأن تكون مطيةً صاغرة لبراغماتية الجماعة وتحالفاتها؟ أم أنها ستكون ثورات حقيقية ضد كل الواقع القديم وما احتواه؟ 

في اعتقادي الإجابة موجودة إما عند المصريين أنفسهم كون ثورتهم هي «ترمومتر» الثورات العربية، أو عند حسن البنا الذي أخبر أن الجماعة ليسوا بالإخوان ولا بالمسلمين لكنه تجاهل إخبار العرب والمسلمين من تكون هذه الجماعة حقاً..؟! 

وللحديث بقية عن مصلحة الغرب الحقيقية في وصول حكم الإسلاميين إلى الحكم..


المصدر: http://www.dp-news.com/pages/detail.aspx?articleid=105324#ixzz1lKklU6K0

ليست هناك تعليقات: