2012/01/07

لا إخوان ولا مسلمون.. (3)

ياسر قشلق
(ياسر قشلق )

ذكرت بنهاية المقال السابق أن السلفيين يمثلون جناح اليمين بالنسبة للإخوان المسلمين، وأنهم سيكونون حصان طروادة بيد الغرب في معركته الأخيرة مع الإسلام. أُكمل اليوم وأمامي تصريحات أطلقها عددٌ من السلفيين المصريين دعوا فيها لتغطية الأهرامات والتاريخ الفرعوني بحجة أنها أصنام! تأتي هذه التصريحات بعيد انتهاء الجولة الثانية من الانتخابات المصرية والتي حلّ بها السلفيون ثانياً وراء الإخوان المسلمين. 

هذه التصريحات لن تؤدي الآن إلى مصادمات بين السلفيين والإخوان المسلمين، فالإخوان أذكى من فتح جبهة السجالات الدينية مع السلفيين في خضم معركتهم الانتخابية، سيكتفون اليوم بتجاهلها –للتصريحات- باعتبار أنها غير واقعية ومستحيلة الحدوث في هذه المرحلة.
لكن تأجيل المعركة لا يعني منعها للأبد، فالمعركة بين الإخوان والسلفيين آتية لا محالة بعد أن تشكل الأكثرية الإخوانية الحكومة المصرية، وفتيلها، غالباً، سيكون الملف الاقتصادي المثقل بالقروض والبطالة والعقود الجائرة بحق مصر.. والذي ستضيف عليه ثنائية الحلال والحرام بالنسخة السلفيّة مزيداً من التعقيدات ما سيزيد من احتمالات الانفجار المدوّي بين الطرفين. 

الاقتصاد المصري بمثابة «جرف هارٍ» سيدفع السلفيون الإخوان المسلمين للسقوط فيه بعد تعريتهم طبعاً على رؤوس الأشهاد، وسينجحون في ذلك ولن يربح المواطن المصري شيئاً، فببساطة لن يتمكن الإخوان بما يملكون من أدوات ومفاهيم اقتصادية تنتمي لعصر آخر من إدارة استحقاقات اقتصاد متهالك في عصرنا هذا كالاقتصاد المصري، أو اقتصاديات دول أخرى –بضم الميم- من دول «الربيع العربي»، ففي مصر إن لم تقترض الحكومة لن تشتري القمح مثلاً، والقرض يا أخي المسلم لن يكون (قرضاً حسناً) بل قرضاً ربوياً، من الربا، والربا حرام، والسلفيون لن يسمحوا لأحدٍ أن يطعمهم فول وطعمية بـ(عيش) حرام، وستبدأ المعركة. 

المعركة بين الإخوان والسلفيين لن تكون بطبيعة الحال معركةً عصرية، أقصد أن يكون ميدانها شاشات الإعلام وطيّات الصحف، بل ستكون معركةً في الميدان الحقيقي الذي هو الشارع، فكلا الفريقين ينتمي بالنهاية لعصرٍ آخر ومن المستحيل أن يستخدم وسائل عصرية في مواجهة خصمه طالما أن المعركة اشتعلت بينهما أساساً بسبب أدوات ومفاهيم عصرية. تخيّل معي أحد شيوخ السلفية وهو يرفع رغيف خبزٍ أمام آلاف المريدين في ميدان التحرير، ويقول: (دول بوكّلونا عيش حرام يا اخوانّا.. يالله بينا عالحكومة الكافرة)، تخيّل كيف سيكون حال مصر في ذلك الوقت! 

هذه المواجهة ستؤدي إلى تعطيل الفعل الإخواني وبدء انتهاج رد الفعل الذي سينعكس بالنتيجة على معيشة وحرية المواطن المصري، بمعنى أنه حتى ولو حمل الإخوان رؤيةً ومنهجاً منطقيّاً عصريّاً ينوون السير عليه للخروج من أزمات مصر الاقتصادية والاجتماعية، حتى لو كان كذلك، إلا أن التشدد السلفي سيسقط ما استجد عند الإخوان من اعتدال، وسيلجؤون للتعويض عن فشلهم الاقتصادي بفرض أحكام الدين الشخصية على العامة للتخفيف من وطأة الهجوم السلفي عليهم، وهي أحكام قد تبدأ بفرض الحجاب وحظر الخمور لكنها لن تقف عند تحقيق رؤية السلفيين بتغطية (أصنام) الفراعنة إن لم يكن هدمها، حينها رحم الله مصر أم الدنيا صريعةً على يد مصر الأفغانية. 

وستعود دائرة الثورة المصرية، وثورات الدول الأخرى، لتستقر عند الرقم صفر، أي عند لحظة تفجرها بوجه الظلم والقمع وشظف العيش، حيث ستجد الشعوب نفسها مرّةً أخرى بمواجهة ديكتاتوريات تقمع حرياتهم ولا تحسن إدارة شؤونهم الاقتصادية، وإسقاط هذه الديكتاتوريات الجديدة يعني أولاً إسقاط حاملها الفكري، والحامل هنا هو «إسلامهم» الذي يخلط كثر بينه وبين الإسلام الحقيقي، ولعمري هذا هو المنتهى الذي ينشده الغرب من خلال تعبيد الطريق أمام الإسلاميين ليصلوا إلى الحكم. 

قصدت أن أقول الحامل «إسلامهم» وليس الإسلام حتى وإن حاول الإسلاميون تنصيب أنفسهم كممثلين للإسلام ككل ودعمَهم الغرب في توجههم هذا لأغراضه المعروفة. أما كيف يمكن تجنيب الإسلام السقوط، فهذا يحتاج لحديثٍ آخر..


المصدر: http://www.dp-news.com/pages/detail.aspx?articleid=107903#ixzz1lKgpnaoB

ليست هناك تعليقات: