2013/09/28

الموت لأميركا..

ياسر قشلق

(ياسر قشلق )

"الموت لأميركا".. يصيح شاه إيران مختنقاً بغبار الثورة.

"الموت لأميركا".. يصيح شيوعيٌّ مختنقاً برائحة الشاه العفنة.

"الموت لأميركا".. يصيح إسلاميٌّ مختنقاً برائحة سجائر الشيوعي الرخيصة.

"الموت لأميركا".. يصيح الجميع.



"الموت لأميركا".. تصيح أميركا نفسها وهي تقبّل الجميع أمام الباب الخلفي المفضي إلى جهنّم.. وتكاد تقسم لهم أنّ روائحهم عطرة.

اليوم من يعمل ضد أميركا مصابٌ بصدمة، ومن يعمل معها أيضاً. الجميع مشدوهٌ من هذا الكائن العصيّ على الموت والصداقة معاً. الجميع حائرٌ بإيجاد توصيفٍ يليق بحضرة هذا العدوِّ الحميم.

كنت أقول لنفسي إن ما تعدّه أميركا لنا هو معارك تاريخ وجغرافيا لولادة منطقةٍ جديدة. لكنّي حين أرى ما يُعدّه من يدّعون خصومة أميركا لأنفسهم، أسخر من التاريخ ومن الجغرافيا. أسخر من شيوعيٍّ مهملٍ على الرصيف لا زال يبحث عن إمبرياليٍّ ليبصق في وجهه. ومن إسلاميٍّ يبحث في كهفه عن صاعقٍ يفجّر به نفسه ليردي الإمبريالي والشيوعيّ معاً. أسخر من نفسي حين أرى كيف تحاكم أميركا التاريخ على إنجابنا. كيف تعنّفه كالأطفال على هذا الإنتاج البغيض!

* * * * *

يا سادتي.. المشكلة ليست بأميركا. هكذا تقول الحكاية بنصّها الأصلي، أعني قبل أن يزيّفها أرباب وعينا من مستشيخين ومستثقفين وطلاّب سلطة. المشكلة فينا نحن. ولأنّنا المشكلة كاملةً، ولسنا جزءاً منها فقط، فنحن لسنا أيّ جزءٍ من الحل. لسنا جزءاً من الحل لتاريخٍ بغيض صنعناه بأنفسنا ولم نعرف كيف نخرج منه حتى اليوم. ولسنا جزءاً من الحل كذلك لحاضرٍ أشبعناه موتاً وسكبنا عليه دماء أطفالنا ليطهر ويستوي إلى الحياة. نحن لسنا الحل وأميركا ليست المشكلة. هكذا تقول الحكاية بنصّها الأصلي.

وتضيف الحكاية يا سادتي أن لإسرائيل الحق بمعاداتنا. لها الحق أيضاً أن تفعل بنا ما تشاء. وأن تعيدنا شعوباً وقبائل تأكل بعضها بعضاً. لها الحق أيضاً أن تعطينا كلّ نظريات المؤامرة التي نحتاجها لننشغل بها عنها. أن توحي للقوميين أن العرب أمةٌ واحدة نبيها جمال عبد الناصر وخصمها الإخوان. وأن توحي للإخوان أن المسلمين أمةٌ واحدة نبيها المرشد وخصمها اليسار. وأنّ اليسار غلبان واليمين ابن حرام. لإسرائيل الحق بقتلنا طالما بقي شيخ جامعنا على ظنّه أن الصراخ بوجه الله ببذاءة كفيلٌ بقتل كل اليهود والحثالة على قارعة التاريخ.

في الحكاية أيضاً، بنصّها الأصلي، صفحاتٌ مرّة تحدّثنا كيف تعثّرنا داخل "مزبلة" تاريخٍ لا يمكن إعادة تدوير ما فيها. وتحدثنا كيف أضعنا فلسطين. كيف أضعنا العراق ببسالة ونحن نحرر فلسطين. وكيف ضاعت ليبيا ومصر. تحدثنا الحكاية كيف تضيع سوريا. تحدثنا الحكاية كيف سنضيع ولا تذكر لنا أميركا أبداً، فأميركا ليست المشكلة ونحن لسنا الحل.

* * * * *

قوّة أميركا تكمن بأنها استطاعت أن تكون أمّة لوحدها. وتبعية أوروبا لها تكمن بأنها مجموعة أمم تحاول التوحّد بمرارة دون جدوى. أمّا ضعفنا فلأننا أمّة تفرّقت وتسعى بنهمٍ إلى مزيدٍ من التفرّق. وكلّ "ثوراتنا" التي خرجت من المساجد والكنائس لم تستطع توحيد مظاهرتين مع بعضهما، بل على العكس أدّت إلى مزيدٍ من التشظي.

لذلك لن تقو على تحقيق أي شيء. ببساطة من يخرج لـ"الإسقاط" هو من سيسقط. حتى لو سقط بالفعل من ينادي بإسقاطه. سيّد البشر محمد صلى الله عليه وسلّم لم ينادي بإسقاط قريش. بل خرج لإصلاحها. كان يعلم أن الإسقاط من فعل الله وحده. أمّا هو فكان دوره ينتهي بالدعوة، الدعوة إلى الطريق القويم متجسّداً بالوحدة: "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا".

ونحن بغبائنا ضيعنا الحبل.. فاعتصم أعداؤنا به، وتوحدوا ضدنا.

ليست هناك تعليقات: