2014/08/17

يوم ألقت أمريكا في البحر كيساً وأسمته أسامة!! (4)

لو كانت فكرة الوطن والمواطنة ناضجة في مجتمعاتنا كما ينبغي لأناسٍ يعيشون في القرن الحادي والعشرين.. لما استطاعت "داعش" أو سواها أن تنسفها بانتحاريٍّ "أهبل" لتعيدنا طوائف وقبائل تنهش بعضها البعض، أعني لتعيدنا ذئاباً متنكرين بهيئة بشر..
* * * * *
ياسر قشلق
قد نظلم أنفسنا حين ندّعي أن مجتمعاتنا غاب عنها مفهومي الوطن والمواطنة فقط، فالفترة التي تزامنت مع الحرب الباردة، والتي كان من أبرز سماتها ترسخ أبرز التيارات الفكرية في العالم من الليبرالية وحتى الشيوعية مروراً بالتيارات الفلسفية الأخرى من وجودية وسواها، أقول: في هذه الفترة بالتحديد ترسخ غياب مفهوم الإنسان بحد ذاته عن مجتمعاتنا، ومع غياب "الإنسان" بدأت قصتنا..


فتنامي تأثير التيارات الفكرية حول العالم طاول مجتمعاتنا بصورةٍ أو بأخرى، إلا أن مجتمعاتنا لم تكن - بطبيعة تكوينها – مستعدة لهضم هذه التيارات وتطويرها دون حصول أضرار بنيوية متبادلة، أعني أضرار أصابت التيارات الفكرية فأصبحت مشوّهة وأضرار أصابت مجتمعاتنا نفسها، وكرد فعل متوقع على تخلخل بنية المجتمع من ناحية وعدم أصالة الأفكار التي يتداولها أبناؤه برزت بيئة مناسبة لولادة ما سيعرف لاحقاً بـ"الإسلام السياسي"، والذي كان من المفترض مع الشعارات - التي طرحتها تياراته المتعددة - من قبيل "الإسلام هو الحل" أن يشكل بديلاً للتيارات الفكرية العالمية التي غزت مجتمعاتنا وأن يعيد التوازن لبنيتها المتخلخلة من جديد، وهو ما عجز عن القيام به، فهذا المخلوق – الإسلام السياسي – كان أيضاً نسخة ممسوخة عن أصله الإسلام، والفكر المسخ لا يمكن له إلا أن يحدث تشوهاً في المجتمع، فولد بذلك المتطرف والتكفيري والانتحاري.. ولد كل شيء ظلامي، ومات الإنسان!
ومع موت الإنسان في مجتمعاتنا، كمفهوم وكقيمة، مات كل شيء نيّر.. الفكر والعلم والثقافة والتطور والمصنع والملعب والصحيفة والمقدس.. مات كل شيء، وأصبحت الغربة تتعاظم في النفوس إلى أن وصلنا للانفجار الكبير متمثلاً بـ"داعش" التي لم تكن أكثر من تطور طبيعي - والأصح انهيار طبيعي – لمجتمعٍ يخلو من مفاهيم: الوطن والمواطنة والإنسان، وهي بهذا ليست حركة "شاذة" عن سياقها، بل هي نتيجة لمجموعة مقدمات مهدنا لها بأنفسنا، وسواء أكانت ولادتها على يد أميركا "يوم ألقت في البحر كيساً وأسمته أسامة" أم على يد سواها، فإننا مدعوون بجدية لإعادة التفكّر لتصحيح كثير من الأمور الملتبسة، فربما وقتها نتعرف من جديد على أنفسنا التي لا نعرفها بعد كما أسلفت سابقاً، وتصبح "داعش" وغيرها مجرد سحابة صيف عابرة، ربما..
وللحديث بقية..

ليست هناك تعليقات: