2014/08/19

يوم ألقت أمريكا في البحر كيساً وأسمته أسامة!! (5 - 5)




(ياسر قشلق)
ليس على الشخص المدخن أن تعتريه الدهشة عند إصابته بسرطان الرئة، فقد هيئ بنفسه البيئة المناسبة لاحتضان هذا المرض..
وبالمثل، فإن ظهور "داعش" ليس مدهشاً، المدهش هو دفن رؤوسنا بالتراب..
* * * * *



"داعش" ستنتهي قريباً، وربما يكون زوالها أسرع بكثير من ظهورها ثم تمددها.
"داعش" ستنتهي.. وهذا يقين مبني على كثير من المعطيات، لكن بيئتنا ستبقى بيئة مناسبة لخروج أسوأ منها، فماذا نحن فاعلون؟!
أعود للمثال الذي طرحته بدايةً عن المدخن: حين يعلم الشخص إصابته بالسرطان فإن أول رد فعلٍ يقوم به هو إيقاف التدخين، وهو – للمفارقة - آخر أمرٍ يمكن له أن يوقف تمدد السرطان في جسده، بل على العكس ربما يزيد من استفحاله!! ونحن فعلنا ذلك تماماً، أوقفنا التدخين لإيقاف "داعش"، أعني ظنّ كثيرون أن رميهم للدين وابتعادهم عنه سيضع حدّاً لخطر تمدد "داعش"، بينما وفي حقيقة الأمر كان لزاماً أن نفعل العكس تماماً، فـ"داعش" – كما ذكرت سابقاً - ما هي سوى نسخة "مسخ" عن الدين، ديننا، وبالتالي لو نحن صادقون بوضع حدٍّ لها ولسواها كان يجب أن نعود لديننا الأصلي.
ولأن كل واحدٍ منا – وليس كل جماعة فقط – أصبح له دينه الخاص به، فلا بد إذاً من حوارٍ طويلٍ، صريحٍ وشفاف بيننا ننهي فيه خصومتنا مع التاريخ، تاريخنا، حتى نعيد ترتيب بيئتنا حتى لا تعود بيئة مناسبة لظهور "داعش" وأشباهها.
لو أردنا الصدق مع أنفسنا والخروج ولو مرة من الحفلة التنكرية التي نحياها، لبدأنا بالتصالح مع التاريخ، ولوضعنا كتاب تاريخٍ واحد لنا جميعاً بوصفنا – كما ندعي – أمّة واحدة، حينها ستزول مئات الكتب التي ندعي قدسيتها ونقتل "الآخر" بسببها، وسنعيد القدسية لـ"الإنسان".. وللوطن والمواطنة.
* * * * * *
معظم الكتاب والمفكرين يدعون للبناء: بناء الوطن، بناء الإنسان، المصنع.. إلخ، لكن هذه الدعوات تذهب أدراج الرياح دون أدنى طائل منها، فهي - وبمعظمها - تتجاهل حقيقة واضحة تتمثل بعدم قدرتنا على البناء ضمن واقعنا اليوم، ففي واقع الأمر علينا أولاً أن نهدم، علينا أن نمهّد الأرض قبل البناء عليها، وأحياناً علينا أن نحفر أساساتٍ عميقاً في الأرض حتى يقوى الذي نبنيه فوقها على الصمود، وحتى لا يكون حديثي في العموميات سأعطي مثالاً من نمط تفكيرنا الذي يستغله الغرب لاختراق مجتمعاتنا:
منذ نعومة أظفارنا نتعلم اختيار واحدٍ من أمرين فقط، فالطفل حين يبدأ بالكلام يوجّه له سؤال كلاسيكي: "من تحب ماما أم بابا؟".. وعندما يصر الطفل بفطرته السليمة على أنه يحبّ كليهما، نصر بدورنا على تشويه فطرته بأن يختار حبّ واحدٍ فقط، ومن هنا تبدأ المشكلة لكنها لا تنتهي عندها، فهذا الطفل الذي نفرض عليه هذا النمط من التفكير الخطي "إما/ أو" ولا ثالث بينهما سيكبر ويكبر عجزه بكسر هيبة هذه الثنائيات، فمن "حب ماما أو بابا" يرى نفسه لاحقاً أمام: "جنة ونار"، "حق وباطل"، "خير وشر"، "سني وشيعي"، "مسلم ومسيحي"، "عربي وأجنبي"، "إخوان وسيسي"، "داعش واستبداد".. ولا تنتهي الدوامة، ولا ينتهي الغرب من اللهو بنا من خلالها، فلا أسهل عليه حين نسعى لإعمار "الجنة" في الأرض من تخويفنا بالنار، أو حين نقترع للإخوان من استبداله بالسيسي، نحن الذين أعطينا الغرب مفتاح الدخول، ولا سبيل لطرده قبل تغيير الأبواب وليس فقط الأقفال.
هذا مثال بسيط عمّا يجب أن نهدمه قبل البدء بالبناء. وتصالحنا مع التاريخ أولى خطوات تصالحنا مع الآخر. وتصالحنا مع الآخر هو أوّل طريق إعادة اكتشاف ذواتنا. وعندما نعرف ذواتنا سيستحيل على أمريكا مرةً ثانية أن "تلقي في البحر كيساً وتسميه أسامة"..!!
انتهى..
المقال على موقع "دي برس"
http://www.dp-news.com/pages/detail.aspx?articleid=166442

ليست هناك تعليقات: