2014/12/13

إلى جهة الريح 

ياسر قشلق
(ياسر قشلق)
 عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء قيد سخريةٍ واحدة.. تمضي بحكمة صاحب الزمان غير عابئةٍ بأن كل ما هو حي بات يمضي إلى الوراء.. حتى الوراء ما عاد قادراً إلا على السير إلى الوراء.. أما سيدنا الوقت، فلم يعد نافعاً.. هو صنو التاريخ حقاً، لكن التاريخ بات ساعةً معطلة تجثم على صدورنا كحصانٍ خشبي.. جميلٌ أنت أيها التاريخ فعد إلينا.. ساعةً معطلةً أم حصاناً خشبياً أبله.. عد إلينا كيفما اتفق.. لا لشيء، لا لننتصر.. ولا لننهزم.. فقط عد إلينا كي نتسلى معك قليلاً.. ونرفّه عن أطفالنا بإحدى حكاياك المملة.. أنا أعلم أنك
لا تملك سوى البطولات في زواريبك المقفرة، فأنت تاريخنا نحن، ونحن أبطالك بالفعل حتى وإن كنا من وهمٍ أو من ورق، لكن أخبرني ولو على سبيل الدعابة السمجة: هل نحن أحفادك؟ أم أبناؤك؟ أم نحن آباءٌ لأولادٍ لم يولدوا بعد؟!! أخبرني أيها التاريخ: أيهما كان أجمل مقاومتنا لأنفسنا؟!! أم مقاومة أعدائنا؟!! من هو عدونا أيها التاريخ؟!! ذاك الذي أمامي أم هذا الذي يجلس ورائي في بيتي؟ ألم أخبرك أن كل ما هو حي بات يسير إلى الوراء؟! أخرجني من دوامة الزمن المنحط أيها التاريخ، فأخي المقاوم يقاومني، وأنا أحاربه، وعدوي يحاربني، أعني يحاربنا، وما عُدنا قادرين أن نقاومه! أيهما أفضل أيها التاريخ، عدوٌّ أعرفه ولا يحاربني، أم عدوٌّ لم أتعرف عليه بعد لكني أحمل نصاله في ظهري عربون محبّةٍ قاتلة؟!! أخبرني فالشتاء على الأبواب، وأنا لا أملك سوا جورباً مثقوباً وعقارب ساعة تصر على المضي للأمام غير عابئةٍ بضعفي وبصفير الريح.. وبحصانٍ خشبي يجثم على صدري. يسأل درويشٌ أباه: إلى أين تأخذني يا أبي؟ إلى جهة الريح يا ولدي.. مات درويش ومات أباه.. وبقيت الريح والزمن المعطل المكلل بالفجيعة.. وعاد أبي من موته ليسألني إلى أين تأخذني يا ولدي؟ إلى حيث لا أعرف يا أبي.. فعلم الحاضر يا أبي هو ألا تعلم شيئاً سوى مضيّك إلى الوراء قدماً.. وحتى لو كان الحاضر أمامي يا أبي.. إلا أنه يصر أن يخفي عني أسراره خوفاً عليّ من أولاد المستقبل وأولاد الحرام.. الحقيقة يا أبي أننا نجهل الحقيقة، نعرف مكانها.. عنوان بيتها.. رقم هاتفها.. ولكننا نخشى الاقتراب منها.. ونخاف التحدث إليها.. فالحقيقة يا أبي هي حقيقتنا.. ربما تكون حقيقتنا.. ربما.. لكننا نعجز عن الاقتراب منها لنسألها.. فكل ما هو حي بات يمضي إلى الوراء.. هكذا هي إرادة صاحب الزمان..

ليست هناك تعليقات: