2015/04/23

باب القفص

ياسر قشلق
(ياسر قشلق)
لسنواتٍ مضت، حرصت على وضع الحبوب وكسر الخبز للطيور على شرفتي. وكنت أجلس في الصباح وأتابعها وهي تأتي لنيل نصيبها اليومي من الطعام. وعلى مر الأيام نشأت بيننا علاقة قوامها تبادل المنفعة، أنا أطعمها وهي تسعدني بتغريدها ورقصاتها الاستعراضية. قبل فترة خطرت لي فكرة غريبة بعض الشيء، وضعت قفصاً كبيراً على الشرفة، وصرت أضع الطعام فيه، وتركت باب القفص العريض مفتوحاً على مصراعيه
لأضمن لتلك الطيور حرية دخولها وخروجها من القفص متى شاءت. لكن ما حصل هو أن أعداد الطيور انخفض بشكلٍ كبير، صارت تأتي إلى الشرفة، ثم تغادر سريعاً، ومن يتجرأ منها على دخول القفص سرعان ما يلتقط ما تيسر له ويغادره سريعاً ويبتلعه في الخارج.. إلى أن كادت تلك الزيارات تنقطع تماماً إلا فيما ندر. ما حدث، هو أنني خالفت شروط العقد بيني وبين الطيور بوضعي لذلك السجن، جرّبت أن أفرض قانوناً عليها فاختل التوازن حتى وإن كانت نيتي صادقة بإطعامها، الطيور رفضت المنطق الذي حاولت فرضه عليها، رفضت تأطيرها بآيديولوجية ممثلةً بقفص، وفضلت أن تبحث عن طعامٍ آخر بعيداً عني وعن أية مزاجية أخرى قد تخطر على بالي فأغلق باب القفص عليها وهي داخله. رسالتي إلى أصحاب الآيديولوجيات مهما كانت، يمينية أو يسارية، ولن أفصل أكثر: اتركوا لنا نحن البشر حرية الاختيار، ولا تُدخلونا في أقفاصكم الآيديولوجية حتى وإن كانت نواياكم صادقة بإيصالنا إلى بر الأمان سواء في الدنيا أو في الآخرة، فنحن لا نعلم حقيقةً متى تغلقون علينا باب القفص.

ليست هناك تعليقات: