2019/12/23

غادرتنا ونسيت روحك

(ياسر قشلق )
رحل عن عالمنا اليوم عمي (والد زوجتي) الحاج محمّد أحمد عبّاس في هولندا، ودفن في مقابر المسلمين في أمستردام. كانت وصيّتك، حين أُخرجت طفلاً من فلسطين إلى دمشق، أن تدفن في أرض صفد.. ثمّ كانت، حين أُخرجت شيخاً من سوريا إلى المهجر، أن تدفن في أرض الشام.. وها أنت ذا.. تُدفن بعيداً في أرض اليباب.. متوسّداً وطنيك جمرتان من شوقٍ وحنين..

 ها أنت تدفن غريباً دون هويةٍ تثبت انتماءك لوطنين.. لكن.. كيف تقنع من لا يعرف معنى الرحيل أنّ لك وطنان؟! كيف تقنعه أن قصائد شعرك.. هوية؟ وأن قصاصات نثرك.. هوية؟ وأنّ دمعةً نزفت من عينيك حين الرحيل.. هوية؟ كيف تقنعه أن ورقةً ممهورةً بختمٍ رسمي أبداً ما عبّرت عن وطنٍ ولا عن قضية؟ كيف تقنعه أن روحك قد خرجت إلى بارئها من جبال الجليل وقلعة صفد.. من أسوار دمشق ومآذنها.. من أرصفةٍ يوجعها الحنين لخطواتك.. ومن مقاعد تردد صدى كلماتك.. لا..!! روحك ما فارقتك في تلك البلاد، روحك بقيت هنا.. تطوف على الذكريات غصةً غصة.. وتخيط جرح رحيلك بفتيل انتظارٍ يحترق..!! كم خنتك حين كنت حياً!! كنت كلّما هممت بمصارحتك أن لا عودة لنا تهزمني أجراس العودة الصاخبة في نبضك!! وكلّما جرأت على البوح لك أن لا أمل لدينا نربيه أسكتني بريق الأمل في عينيك! لم أقو يوماً أن أقول لك إننا هزمنا وأنا أسمع منك قصائد الانتصار! سامحني فقد كنت ضعيفاً.. لكن كيف لي أن أقسو على وردة أملٍ في صحراء خيباتنا؟! سامحني واحمل سلامي إلى أبي.. وأخبره أن البندقية وغصن الزيتون قد سقطوا من يدي، وكل ما بقي دمعة ترتجف وتشتهي وطناً تسقط عليه.. وإنا لله وإنا إليه راجعون..

ليست هناك تعليقات: