2009/10/27

نهاية القصة


27/10/2009
(ياسر قشلق | )
ظنّ محمود عباس أنه أوصل الأزمة الدائرة على الساحة الفلسطينية إلى أقصى احتمالاتها الممكنة حين أصدر مرسومه «الرئاسي» القاضي بإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية قبل ثلاثة أشهر من موعدها المحدد دستورياً، وهو اعتبر أن خطوته تلك ستشكل صفعة «دستورية» لحركة «حماس» تأتيها كعقاب لعدم توقيعها على وثيقة المصالحة الوطنية الفلسطينية، وبذلك يكون –حسب اعتقاده- قد وضع «نهاية سعيدة» للقصة التي بدأت في دخول حماس المجلس التشريعي عام 2006 وتشكيلها الحكومة الفلسطينية.

ما فوّته عباس أن خطوته تلك أكدت المخاوف التي كشف عنها مقربون من حركة حماس وتحفظت على ذكرها الأخيرة على الأقل إعلامياً، والتي تتلخص بأن الهدف النهائي من توقيع حماس على وثيقة المصالحة الفلسطينية هو إيصالها للاستحقاق الانتخابي ثم الإجهاز عليها إلى غير رجعة عبر الانتخابات نفسها التي أوصلتها إلى مقاليد السلطة، ولكن هذه المرة عبر انتخابات أقل ما يقال عنها أنها محسومة سلفاً لصالح حركة فتح وذلك حسب السياق الذي يسيّر فيه عباس الأمور.

ربما ما فوّته عباس في الحقيقة هو أن «النهايات السعيدة هي قصص لم تنتهي بعد»، فما تصوره عباس على أنه نهاية ما هو إلا تفصيل بسيط ضمن سلسلة روائية غير متناهية الفصول، فبإمكان حماس الآن وردّاً على «المرسوم العباسي» أن تعلن عن انتخابات منفصلة في غزة، وحينها سنكون واقعياً أمام دولتين فلسطينيتين برئاستين وبمجلسين تشريعيين، وبهذا ما اعتقده عباس على أنه خطوة لإعادة الأمور إلى نصابها السابق –إقصاء حماس عن سدة السلطة- سيتحول فعلياً إلى تكريس وجودها ليس فقط كحكومة منفصلة في غزة وإنما كحكومة ورئاسة في آن معاً، أي دولة فلسطينية قائمة بذاتها ومنفصلة تماماً عن الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية!


هما دولتان إذاً، دولتان فلسطينيتان دون وجود لفلسطين حتى! دولتان إحداهما محاصرة إسرائيليّاً، والأخرى عالمياً، وبالنتيجة الاثنتان مصابتان بالموت السريري دونما أدنى أمل بالحياة، فيا لها من نهاية سعيدة لقصة صراع عمرها أكثر من ستين عاماً!! 
النهاية الأكثر سعادة من هذا كله أن «الدولتين الفلسطينيتين» اللتين ستخرجان إلى العلن في الشهور القليلة المقبلة نتيجةً للمنطق العباسي، لن تعيشان مستقلتان فقط عن بعضهما واحدة في الضفة والأخرى في القطاع، وإنما ستكرسان واقع الانفصال عن اللاجئ الفلسطيني في بلدان الشتات، نعم، اللاجئ الفلسطيني المُسقط أصلاً فيما مضى من أي استحقاق انتخابي أو تفاوضي أو سيادي، سيراد له التعامل في المرحلة المقبلة مع ما يجري في الداخل الفلسطيني كما يتعامل مع ما يجري في الكونغو أو الهونولولو، فهو إن كان في الفترة الماضية ساقطاً سهواً من الشرعية العباسية نتيجة وابل من أعذارها غير المقبولة، سيسقط في الفترة المقبلة عمداً دون الحاجة لأية أعذار أيّاً كانت، وبالمحصلة لن يبق للاجئ الفلسطيني سوى اللجوء وبلاد اللجوء بعد أن تأتي السلطة الفلسطينية الميمونة على ما تبقى من حقوقه كمواطن فلسطيني، حقوقه التي تبدأ من المشاركة في الانتخابات ولا تنتهي عند التصويت على أي استحقاق فلسطيني صغرت أو كبرت أهميته، ولكن يبدو حتى الحلم قد بات محرماً على اللاجئ الفلسطيني.

سأنهي زاوية الأسبوع بقصة؛ حين آلت مقاليد الحكم في مصر إلى جمال عبد الناصر بعد ثورة تموز/يوليو، قام بمنح الرائد –«الصاغ» حسب التسمية المصرية- عبد الحكيم عامر رتبة «مشير» وعينه قائداً عاماً للقوات المسلحة المصرية، ووفقاً لهيكل فإن عامر «توقفت معلوماته العسكرية عند رتبة الرائد، ولم تزد معلومة واحدة حتى مات»، وبالتالي حين وقعت حرب الـ67 –أذكرها بالذات لكونها شكلت الحد الفاصل بحياة عامر- خاضها بمنطق الرائد وليس بمنطق المشير فكان ما كان من هزيمة مدوية لأكبر الجيوش العربية، قصة المشير عبد الحكيم عامر تتكرر فصولها اليوم مع محمود عباس، فالأخير كان في الماضي مدير مدرسة، وقد فشل بعد تركه المهنة ومعاشرته لكبار السياسيين من مستوى الراحل عرفات أولاً وحكمه لسنين بعد رحيله ثانياً، فشل بكسر الطوق وتجاوز كونه ناظر، وبالنتيجة فشل بإدارة ساحة الصراع كسياسي، وحافظ على طريقته التقليدية لإدارة الأمور كناظر، وبهذا تحولت فلسطين بنظر عباس إلى «مدرسة مشاغبين» تحوي فصلان متخاصمان: الضفة من جهة والقطاع من جهة أخرى!!

ليست هناك تعليقات: