2009/12/30

على أعتاب عامٍ جديد..!

30/12/2009 


(ياسر قشلق | )
لم تفلح بقعةٌ على وجه الأرض أن تكون محط أنظار العالم مثلما كانت عليه فلسطين طوال أيام العام الماضي، سواء أكان ذلك على مستوى الحدث أم على مستوى الحراك السياسي، في الحدث؛ أتمت غزة في الأسابيع الأولى من العام دمارها ككارثةٍ كان لا بد لها وأن تصل إلى ذروة قبحها وحطامها لتتحول لاحقاً إلى وصمة عارٍ على جبين العالم بأسره مع استمرار الحصار والدمار والتجويع وعجز العالم الحر، وغير الحر، عن التلفظ حتى بكلمة حق ضد هذه المحرقة. والقدس أثناء ذلك كله كانت عنوان كل شيء: الاستطيان، الهدم، التهجير، الجدار، الاعتقال، وحتى الثقافة.. كان مقدراً لها أن تكون كل شيء، ومع ذلك لم تكن أي شيءٍ مطلقاً..!
أما على المستوى السياسي؛ فقد شهدت فلسطين كل أنواع الحراك المحلي والإقليمي والعالمي، مؤتمرات وتحالفات.. تضامن معها.. تآمر عليها.. كل شيء، وكأنها مركز الكون! لكن بالمحصلة لم يجن الشعب الفلسطيني من كل ذلك الكر والفر سوى السراب أو «صفر سياسي عملاق» إن جاز التعبير، حصل كل شيء كفعل ولم يحصل أي شيء كنتيجة، أو قل إن أمكن تلمس نتيجة ما فإنها ليست أكثر من تراجعٍ مؤلم في القضية بصورةٍ غير مسبوقة، فالاستيطان يتفاقم يوماً بعد يوم، والانقسام الفلسطيني ينحو أن يكون أمراً طبيعياً، والقدس أصبحت بنظر الأوربيين صالحة لأن تكون «عاصمة لدولتين»، بمباركتنا طبعاً، وجدار الفصل العنصري الذي بنته إسرائيل ولد له شقيقٌ مصري يرجى منه أن يكون بارّاً كما حال الأول ليزود عن حمى أرض الكنانة وأم الدنيا مصر، فأمنها القومي بات على المحك أمام جوع أهل غزة المتصاعد حدود الموت. 

في اعتقادي؛ ما تفسير كل هذا الضياع والانحطاط إلا غياب، أو تغييب إن صح القول، «الهوية الفلسطينية الكلية» بظل تكريس الهوية الفصائلية، غياب الولاء لفلسطين بظل الولاء لهذا أو ذاك من الفصائل، ضياع الهدف المتمثل بإقامة الدولة الفلسطينية على تراب فلسطين أمام تحقيق هدف الوصول إلى السلطة حتى لو كانت بظل الاحتلال، وبالنتيجة؛ غاب الحاضن السياسي الكلي والحقيقي، وأصبح بغيابه «البعض الفصائلي» عاجزاً عن رفع ما يدور بفلك الساحة الفلسطينية لمستوى الفعل السياسي القادر على التصدي لمجمل التجاذبات الحاصلة، فاقتصر التعاطي بنهاية الأمر على مجرد «ردات فعل» لا تعدو بأحسن الأحوال مستوى «المراهقة السياسية»، يشهد على ذلك: ملف المصالحة الفلسطينية الفلسطينية، الاقتتال حول تقرير غولدستون، استمرار الحصار الجائر على غزة.. وغير ذلك الكثير الكثير مما لا يشكل إعادة ذكره إلا إعادة نكئ الجراح غير المندملة أصلاً. 

مؤسفٌ أن نطوي أعوامنا هباءً ونحن نكرر نفس الأحداث ونفس الأزمات وكأننا «محكومون بالدوران» كـ«ثيران الطواحين»، مؤسفٌ أن ينتهي عامٌ آخر مجدداً ونحن لا نزال نناشد العالم بالضغط على إسرائيل أن توقف ابتلاع أرضنا، أو أن تخفف الحصار عن غزة، مؤسفٌ أن نستمر برجاء «أم الدنيا» أن تسمح لقوافل المساعدات بالدخول إلى القطاع دون شروط تعجيزية، مؤسفٌ ومؤسف.. فنحن نستطيع فعل أكثر من ذلك بكثير لو ضمدنا جراح بعضنا، لو أطلقنا سراح الرأي المخالف لنا من سجون أيديولوجياتنا المتحجرة، لو سمحنا للآخر أن يختلف عنا كما يحلو له إن هو خرج من عنق الفصيل الضيق وآمن برسالة وجوده الكبرى.. فلسطين! 

هل نستطيع فعل ذلك..؟! لننتظر فنحن على أعتاب عامٍ جديد!

ليست هناك تعليقات: