2011/07/07

الاتفاق القاتل

ياسر قشلق
(ياسر قشلق)
ما تفتّق عنه عقل نتنياهو أخيراً من منع تسليم رفاة الفلسطينيين إلى أهلهم كرد فعل على استمرار أسر الجندي الصهيوني جلعاد شاليط ما هو إلا جزء من قصة الصراع الفلسطيني الصهيوني وليس القصة كلها، لكن ردة الفعل هذه أظهرت على الأقل أن مفعول وصفة «الكيل بمكيالين» التي درجنا على استخدامها في توصيف طريقة تعاطيهم معنا قد انتهت إلى الأبد، وبات واضحاً أن الكيان الصهيوني يكيل بعشرة آلاف مكيال تجاهنا، عشرة آلاف مكيال هم أصلاً عديد أسرانا الفلسطينيين في أقبية سجونهم.ورغم هذا أصر على القول: إن ردة الفعل هذه جزء من القصة وليس القصة كلها، فالقصة كلها تختزل بعنوانٍ وحيد، إنها قصة «الوجود» وسؤالها اللغز: من له الحق بالوجود على هذه الأرض، نحن أم هم؟ لا نحن، وبما نملكه من جذور، وفّقنا بالترويج لجوابٍ شرعي، ولا هم وما زوروه من جذورٍ وجدوا جواباً شرعياً، حتى محمود درويش قال: «على هذه الأرض ما يستحق الحياة» واكتفى بذلك ومات دون أن يجيبنا على الأهم: من يستحق منّا ما يستحق الحياة على هذه الأرض؟هل يصدّق عاقل أن ألمانيا وما تملكه من دبلوماسية تستند إلى إرث الدولة العظمى قد فشلت في عقد اتفاق تبادل أسرى بيننا وبينهم؟! أخشى أن الحقيقة لا تحتاج إلى عقلٍ أبداً، كان لزوماً أن تفشل، إنه سياق التاريخ وليس سياق المنطق، وسياق التاريخ نفسه، لمن يريد، هو الذي ألزم بريطانيا العظمى أن تلعب دور «البلطجي» حين سجنت أخيراً الشيخ رائد صلاح.

دعونا نخرج من التفاصيل، «تبادل الأسرى، الحدود، إعلان قيام الدولة، واللاجئين...» فقضية الوجود أهم، وفيها وحدها الحل والتفسير لاستمرار المعاناة، وضياع الأمل يوماً بعد يوم بالتعثر بما يسمونه «الحل العادل والشامل».
أيّ شيطانٍ ذاك الذي استطاع خداعنا بأنه يمكن عقد اتفاقيةٍ مع عدوٍ مثل العدو الصهيوني حتى لو كانت اتفاقية تبادل أسرى؟ أي شيطانٍ أقنع السلطة الفلسطينية أن سياسة «الحياة تفاوض» توصل إلى دولة؟ بل أي شيطانٍ يقنعهم اليوم بأن الذهاب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة يمكن أن يفرض عليهم عقد اتفاق مع دولة؟ هذا كله وهم، نحن لا نستطيع أبداً الوصول إلى اتفاق متوازن معهم، لأنه، وببساطة، أي اتفاقٍ من نوع «الند للند» يعني بالأساس أول مسمارٍ في نعش زوالهم، إنه الاتفاق القاتل.
هل في هذا إجابة للبعض على سؤالهم: لماذا لم يذهبوا معنا ولا مرة في أي طريق إلى نهايته؟ هل في هذا تفسيرٌ لتردادهم باستمرار عبارة: لا يوجد شريكٌ فلسطيني للسلام؟ هل في هذا ما يوضح اعتراضهم اعتراف دول العالم بدولةٍ فلسطينية؟
نعم فيه الكثير من الإيضاح لمن يريد أن يعقل ويغير طريقة تعاطيه، إنها مشكلة الأحقية في الوجود على هذه الأرض، أيّ عقدٍ أو اتفاق كامل بيننا وبينهم يعني أنهم يعترفون بحقنا بالوجود على هذه الأرض ويعرون بالوقت نفسه وجودهم الزائف، هم بالتأكيد لم يستطيعوا منذ ما يقارب المئة عام، عمر صراعنا معهم، أن يشطبوا وجودنا، ولذلك هم يريدون إبقاءه مؤقتاً، هشّاً، وانطباعياً غير مرتبط لا بدولة ولا حدود ولا مؤسسات حقيقية، كل ما أمكن انتزاعه منهم هو سلطة، والسلطة بالتأكيد لا تعني دولة، فقصارى ما يمكنها القيام به هو التسوّل لشراء سكوت موظفيها العاطلين عن العمل رأس كل شهر، وبالتأكيد كنس نفاياتهم وترحيلها رأس يوم!
هل سنصر على الذهاب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول المقبل؟ سأتحدث في مقالٍ قادم عما سيُفشل انتزاع اعترافٍ بالدولة 

ليست هناك تعليقات: