2011/07/20

هل نتخلى في أيلول عن أصالة وجودنا في فلسطين؟

ياسر قشلق
(ياسر قشلق )
ليس في ذهاب السلطة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة لانتزاع اعتراف بدولة فلسطينية على حدود الـ67 جريمة، الجريمة تكمن فيما يعنيه هذا الذهاب، وإن أبسط ما يعنيه هو الاعتراف بأننا «هزمنا»، وتلاوة بيان هذه الهزيمة أمام من شاركوا في هزيمتنا، لا بل إن أبشع تجليات هذه الهزيمة أن إحدى الدول التي سنرجوها حتى تصوّت لصالحنا في ذاك «اليوم السعيد» هي «دولة» جنوب السودان الوليدة!! جنوب السودان التي لا ير رئيسها سلفا كير غضاضةً بالاعتراف بـ«إسرائيل» إن كان في ذلك مصلحةً لبلاده!! 


في مقالي السابق قلت إننا فشلنا بالإجابة على السؤال الأهم في أوج الصراع معهم: من يحق له الوجود على هذه الأرض، نحن أم هم؟ وانشغلنا بدلاً عن ذلك بشتم الأوغاد الذين باعوا فلسطين، لتنسينا نشوة السباب أن أوغاداً أقاموا بالفعل في فلسطين إلى الأبد، وأنّهم، أي الأوغاد، عملوا منذ نجّست أولى أقدامهم أرضنا الطاهرة على جعل وجودنا في أرضنا مؤقتاً وطارئاً وهشّاً.


هل سيحوّل ذهابنا إلى الأمم المتحدة في أيلول القادم وجودنا على أرضنا من المؤقت والطارئ إلى الدائم والأبدي؟


مشكلتنا ليست بين المؤقت والدائم بل هي مشكلة «إسرائيل» التي دأبت باستمرار على تصوريها أنها مشكلتنا، وحاولت بـ«صبر القلاع المحاصرة» إبقاءنا في رحاها لنستمر في طحن الهواء مجبولاً بالوقت والحقوق والقضية برمتها.


في يومٍ ما مضى وانقضى قبل ثلاثٍ وستين عاماً أعطت الأمم المتحدة «إسرائيل» وجودها الدائم والأبدي، لكنها لم تستطع أن تعطيها «أصالة الوجود»، ومنذ ذلك اليوم و«إسرائيل» هذه تبحث عن أصالة الوجود، عبثاً، عبر نبش القبور دون جدوى.. اليوم السلطة الفلسطينية تذهب للأمم المتحدة حتى تحصل على الدائم والأبدي في وجودها، متجاهلةً أنها بذلك تتخلى عن أصالتها بالوجود على هذه الأرض وتقدّمها على «طبقٍ من الحماقة» لـ«إسرائيل».


«إسرائيل» نفسها لا تعارض ذهاب السلطة إلى الأمم المتحدة، بل هي تشجعها عبر إشاعة معارضتها لها، هي مع السلطة في خطوتها وضدها في الوقت نفسه، وليس أفضل منها في العالم من يجيد اللعب بالمتناقضات، وليس أحمق من السلطة في العالم بالوقوع باستمرار في شرك هذه اللعبة المملة، لا داعي لاستذكار كل الألاعيب المشابهة التي مارستها ضد السلطة منذ أوسلو وحتى اليوم، إنها ملهاة «توم وجيري» الكرتونية نفسها إنما بنسخة تراجيدية سياسية.


السلطة الفلسطينية تصوّر لنا أن الخلاص سيكون في ذهابها إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، ترفع سقف التوقعات عالياً حتى لا نر دوامة الجحيم التي سنقع بها، ‏يعتقدون أن امتلاكهم السلطة يمنحهم الحق في الذهاب إلى من يقضي على سلطتهم نفسها، قِصَر نظرهم لا يريهم أن الاعتراف بدولة فلسطينية وفق حدود مصطنعة بمنطق الاحتلال يعني إضفاء أصالة الوجود على الاحتلال نفسه بل إضفاء شرعية على عدوان الـ67 واعتباره حرب تحرير انتزعت عبرها «إسرائيل» حدودها من بين براثن العدو العربي!!


الفصائل الفلسطينية تتلوّن بلون الأقوى، مرّةً تراها تؤيد ما انتهت إليه السلطة، وأخرى تراها تعارض، وبين هذا وذاك، لا تقدم سوى خطاباتها القديمة عن الثورة والنضال وتحرير فلسطين بعد أن تعيد إنتاجها بما يتوافق مع اصطفافات الشارع اليائس، مغلّفةً بدروس النميمة المعتادة عن الأوغاد الذين باعوا فلسطين.


أمّا العرب؛ فرحماك ربّي! العرب اليوم مشغولون، أو أُشغلوا، بربيعٍ تشبه نسماته قيظ الجحيم، يعيشون زمن طغيان الثورات، وفي زمن الطغيان يتعلم الإنسان السجود قبل تعلم الركوع، لذلك ستراهم مرغمين على الانبطاح ساجدين أمام «حكمة» السلطة في قرار ذهابها إلى الأمم المتحدة، علّ سجودهم هذا يدرء عنهم بعضاً من قيظ الربيع إلى حين.


من سيمنع السلطة الفلسطينية من الذهاب إلى الأمم المتحدة؟ وماذا سيكلفنا قرارها عدم الذهاب؟ ماذا سيعني رفع أميركا للفيتو بوجه الدولة الفلسطينية الموعودة فيما لو أصرت السلطة على قرارها؟ ماذا يعني الحديث عن تعديل حدود الـ67 حتى ترضى إسرائيل عن ولادة دولة فلسطين؟


أسئلة سأحاول الوقوف عليها في مقالٍ مقبل.

ليست هناك تعليقات: