2013/10/14

أرجوحةٌ للريح والعناد..

(ياسر قشلق)
"لا أنوي إفساد فرحة من يمتلك الجرأة على الفرح بهذا العيد.. لكني لم أستطع منع نفسي من إهداء بضع كلماتٍ لأهلي الذين بتّ عاجزاً عن مد يدي لهم ولأرواح الأطفال الذين قضوا في البحر قبل العيد وهم يبحثون عن أرضٍ
تتسع لفرحهم الطفولي.. وأخص منهم زهرتين من آل سلامة.. رحمهم وأهليهم الله" * * * * * أرجحني أيها العيد كطفلٍ مشاكسٍ يرفض الرضوخ للريح. وادفعني للسماء نجمةً أو قطرةً من سحاب. ارمِ عنك الخوف والملل واستسلم لعنادي قليلاً لنوصل الحكاية إلى فصلها الأخير منتصرةً أو جريحة. فقد تعب الأبطال من أسر البدايات. وحان الوقت أن يهرم أولاد حارتنا. وحان الوقت أن يشتعل رأس حبيبتي شيباً وحَيرة.. حان الوقت أن نستريح كالكهول على عكازٍ بعطر الغربة والزيزفون. أرجحني أيّها العيد وأخبر الأطفال المنتظرين أن ينتظروا أكثر فالسفينة لا بدَّ وأن تأتي لتحملهم إلى عرض البحر أو الفجيعة. ولا بد لهم أن يقضوا غرقاً أو سخرية. أرجحني فريح الهال يقتلني. وأوّل البحر يقتلني. وآخر الحزن يقتلني. وموت ثلاث زهراتٍ كنَّ بانتظارك.. يقتلني. أرجحني أيّها العيد واترك لي حقّ التفاوض مع الريح فأنا ورقة الخريف الأخيرة. * * * * * في العيد الكبير دهشتنا باتت أكبر. فالأضاحي تتراقص حولنا بمجون الفارّين من موتٍ محتّم. تمدّ ألسنتها لنصالنا الصدئة. تتلوّى ضحكاً وشماتة لفرقعات البطون الخاوية. تبول باستهانةٍ على قلّة حيلتنا. وتجترّ أحلامنا بصبرٍ وحكمةٍ مصطنعة. في العيد الكبير حيرة أهلي باتت أكبر. هل يجوز لسعاد ذبح الهررة دون البسملة والتكبير؟ وهل نباح الكلب قبل ذبحه يفسد وضوء جارنا؟ هل تصلح رقبة القطة لتطبخ منتهى منسفاً في العيد؟ وهل سيغفر الله لأبو وليد كذبه على أطفاله بأنه لم يذبح هرّهم "دعبس" وأنه استطاع الفرار أخيراً من المخيم؟ لماذا يشعر شيوخنا بالاشمئزاز من أسئلة أهلي؟ لماذا لا يتجرّأ شيخٌ أن يفتي لهم كيف يذبحون الحيوانات الشريدة مثلنا؟ لماذا يتركونهم وحيدين لغضب جمعيات الرفق بالحيوان؟ لماذا لا يصرخ أحدهم صرخة حقٍّ واحدة أن يتركوا الجياع ليأكلوا من أديم الأرض؟ أخبرني أنت أيها العيد. أخبرني أو أرجحني أكثر. فالله أكبر. الله أكبر. * * * * * وتصرُّ أن تأتي مثل جميع الهموم! لماذا المكابرة أيّها العيد؟ ها أنت ترتجف خجلاً وأنت تتسلل كاللصوص من فوق الأسطح والأحزان. لماذا المكابرة ولماذا أتيت؟ لن تجد طفلاً سواي تؤرجحه بين اليقين والوطن ويصبر على عبثك وعلى جنون الريح. فأولاد حارتنا قد كبروا واختاروا البحر أرجوحةً لهم. وحبيبتي قد هرمت. حبيبتي أيها العيد لم تعد مهتمّةً أن أغرز زهرةً في مفرقها فقد اشتعل رأسها بالمشيب. وهي الآن تبكي ثلاث زهراتٍ قضين وكنّ بانتظارك أيها العيد. فهل أنت جاهزٌ لنوصل الحكاية إلى فصلها الأخير؟ إذاً أرجحني واتركني أضرب وجه الريح بعكازٍ معطّرٍ بالغربة والزيزفون.

ليست هناك تعليقات: