2013/12/07

وين هيي الدولة؟!!

(ياسر قشلق)
 أكثر ما يستفزني حين أسمع بعض المحللين والدبلوماسيين يتحدثون عن ضرورة تطبيق أنموذج الطائف اللبناني كحل للأزمة السورية! كيف يرى هؤلاء لبنان حتى يريدون تعميمه كأنموذج يحتذى به؟ لبنان مثلاً
يحكمه أمراء الحرب الأهلية منذ نحو خمس وعشرون عاماً ولم يستطيعوا إلى اليوم بناء دولة، لا بل لم يستطيعوا إلى اليوم وضع نظام دولة، لذلك تراهم يتشبثون باتفاق الطائف الهش إلى اليوم، لكونه الشيء الوحيد الذي ينظم علاقة هؤلاء الأمراء بعضهم ببعض. فهل يرى هؤلاء أن هناك ديمقراطية حقاً في لبنان الطائف؟ أليس الأولى أن يكون هناك دولة أولاً قبل التغني بوجود الديمقراطية؟! الديمقراطية تحتاج إلى مواطنة وانتماء إلى الكل بالدرجة الأولى والكل هنا يعني "الوطن" الذي تمثله الدولة، فكيف لفرد ما أن يكون ديمقراطي في كيانٍ مصطنع يدين بولائه فيه إلى البعض "الطائفة"، وطوال حياته يشتم بالآخر المختلف عنه، وطوال حياته ينعي غياب الدولة ويسأل عنها السؤال اللبناني الشهير: "وين هيي الدولة"؟!! الديمقراطية والحرية والكرامة تفاصيل مهمّة لكنها لا تتأتى إلا بوجود الدولة الحاضنة لكل مواطنيها، أمّا بغيابها فلن تكون سوى ممارسات زائفة وجدت بسبب غياب الدولة ذاتها. "لبنان" هذا الذي يتغنى به البعض كأنموذج يستحق التعميم، يحتاج كل يوم إلى ألف محلل مخضرم ليعرف الناس فيه ماذا يلبسون؟ وإلى ألف محلل آخر ليعرفوا من تآمر عليهم وسدّ بلاليع وطنهم فأغرقهم. سياسيو هذا الـ"لبنان" كانوا قديماً اقطاعيين يتباهون بزياراتهم الدائمة إلى المندوب السامي لهذه الدولة العظمى أو تلك، واليوم لم يختلف الأمر كثيراً فقد تحولوا إلى أمراء حرب يتباهون بزياراتهم إلى سفارات الدول. أمّا إعلام هذا الـ"لبنان" فهو حر حين ينتقد طائفة أخرى أو رئيس تيار لا يدور في فلكه السياسي أما أن تنتقد محطة أو صحيفة طائفتها فهنا تنتهي حدود الحرية والديمقراطية لتبدأ حدود التعصب والتطرف. أقول هذا الكلام لا للنيل مما يسمى زوراً بالوطن، بل لأقول إن سوريا المستقبل لن يحدد مصيرها اتفاق كالطائف أو جنيف أو باريس، فهذه الاتفاقات لن تكون إلا لتفريغ الوطن من معنى الدولة، أما سوريا فسيكتب مستقبلها في دمشق، وفي دمشق فقط سيوضع حد للحرب الإقليمية المستعرة على أرضها، وما عدا ذلك من نظريات ونماذج وسناريوهات تبقى مجرّد كلام لا تصريف له بالسياسة الواقعية. دمشق لن ترض أن يسأل أحد مواطنيها "وين هيي الدولة؟!!".

ليست هناك تعليقات: