2014/02/04

أريد أن أشرب..

(ياسر قشلق)
 عدنا إليك فعد إلينا يا ملك الانتظار.. وقف قليلاً في طابور موتنا السخيف كسنديانةٍ لم ينخرها الجوع ولا الفزع، قف قليلاً كما يليق باسمك الجليل وانتظر بلهفة طفلٍ أن يمرروا إليك كرةً أو قذيفة.. قف قليلاً وافهم ولو
لمرّةٍ كالكبار الفرق بين ليلى وذئبها.. قف قليلاً لتوقن أن النكبة تولد من رماد انتظارنا.. وكيف أننا شعبٌ أَعْجز كل الأساطير. وإجلالاً لسيدنا الموت.. كفَّ عن السخرية بموتانا يا ملك الانتظار.. فذاك الطفل الذي قال للملائكة إني جائع حين سألوه من ربك؟ لم يكن قد أدرك بعد أنه مات! فهو ما زال غضّاً على الموت كغصن زيزفون.. غضّاً على الجوع أيضاً.. أما ذاك الرجل الذي طلب من الملائكة رشفة ماءٍ أو نبيذ فقد التبس عليه الحلال والحرام من هول العطش.. أكل همّ أمّةٍ ذليلةٍ قبل موته.. وهموم الأمم الذليلة وجبةٌ تسبب الجفاف يا ملك الانتظار.. فهل لك أن تسقي أخانا النمير جرعة ماءٍ أو كأس نبيذ قبل موته المرتقب..؟!! وهل لك أن تكفّ عن السخرية بموتانا؟!! أعني.. إجلالاً لسيدنا الموت على الأقل!! أمّا أنا المتعب من الانتظار فأريد أن أشرب.. لا صوت يعلو فوق صوت الموت.. ولا حروفاً تكتب في تلك النهاية السرمدية قبل أن نرتوي ماءً ونبيذاً.. لا حلال ولا حرام يعقد قبل أن يجيب ملك الانتظار على حتمية القيامة: فيما نعيش؟! أو على سخرية الكره: من عدونا الذي قتلنا؟ أريد أن أشرب لأروي ظمأ الفجيعة الساكنة بجوفي كالحمى.. لأصرخ بوجه البحر كيف سولّت لك نفسك أن تروي ظمأك من دماء أطفالٍ لم يدركوا بعد لماذا أبحروا فيك..؟!! أريد أن أشرب.. حتى أقول لابن الوليد.. إن معركة اليرموك قد انتهت بموت أطفالنا جوعاً.. فانهض لنشرب سويّاً نخب هزيمتنا.. سأرمّم قناعات ابن الوليد.. وأجلس معه على قارعة الذل نبيع سيفه ونشتري لطفلٍ رغيف أملٍ أو كفن.. أعلم أن ملك الانتظار لن يجيب على سؤالي.. وأن البحر لن ترويه كل دماء أطفالي.. وأعلم أن لا أحد سيهتم بسيف خالدٍ المكسور.. أعلم وأعلم.. لكني أريد أن أشرب.. أريد أن أشرب.. أريد أن أشرب..

ليست هناك تعليقات: