2014/07/19

لا تعتذر من مصر يا درويش

( ياسر قشلق)
 صديقي محمود درويش: أرجوك لا تسجل أنّي عربي، وانس رقم بطاقتي، فبطاقتي مثل خارطة الوطن العربي لا تحمل إلا أسماء أشياء لا نعرفها.. وتحمل أيضاً أشلاء لا يمكن لها أن تصير وطن.. يا صديقي: لم يعد لدينا أيّ حصانٍ ولا حتى خشبي لنتركه وحيداً يؤنس وحدة البيت في غيابنا، أعني أن بيوتنا قد هدمت، ولم نترك وراءنا سوى حمير لا يعول عليها لا بالسرج ولا بالسمر. فهل ينفع اعتذاري إن اعتذرت؟ حسناً؛ سأعتذر حتى تستريح،
وحتى تستريح أكثر سأعتذر عن أشياءٍ فعلتها وأخرى لم أفعلها. لكنّي رغم ذلك عاتبٌ عليك، فقد آن لك أن تقتنع أننا لا نستطيع احتلال أي مئذنةٍ تطل على القبائل، وأن تقتنع أيضاً أن ليس ثمّة ولا قرآنٌ واحد لدى يثرب حتى تأجره ليهود خيبر، فهل لك أن تقتنع، أو أن تكف عن مديح الظل العالي ولو مرةً واحدة حتى يتسنى لمثلي أن أشتمه بين العالمين؟! فالظل العالي يا صديقي لم ينفعنا ولا مرة واحدة، لم يحمنا من كل ضربات الشمس التي أصابتنا بالحيرة والدوار.. ولم يحمنا حتى من ضربات الحظ التي أودت بنا إلى أن نهوي في السماء.. والعرب الذين قلت عنهم مرّةً أنهم أطاعوا رومهم وضاعوا، حقّاً ضاعوا، ولكن أحداً لم يشتر منهم أرواحهم كما أخبرتنا، وهي إلى اليوم مكدّسةٌ في مخازن الروم مثل الخردة أو قطع الغيار التي لم تغيّر من الأمر شيئاً. أمّا حصارنا الذي أمرتنا أن نحاصره، فهو فينا يا درويش، هو ذاتنا، فكم مرةً تريدنا أن نُحاصَر حتى نصيح أننا متنا.. حسناً نحن متنا حقاً متنا يا درويش.. وننتظر الآن من يكنس جثثنا من فوق السحاب. متنا نتيجة خطأ واحدٍ في السماء، ربما، وربما لأن الأرض كروية. وربما لأن "المارون" جلسوا كثيراً في بيتي، وأعجبتهم قهوة أمّي أكثر مني، فأُحلَّ لهم قمحنا وملحنا، ثم كان الهواء مجرد تحصيل حاصل.. أو شيئاً من هذا القبيل. فهل لك أن تترك البحر، فهو ليس لك كما أوهمتك غيبوبة موتك، لا البحر لك ولا الهواء الرطب لك، ولا سائلك المنوي لك، ولا الرصيف، ولا سورة الرحمن، ولا الإنجيل، ولا حدوة الفرس التي طارت عن الأسوار.. لك، ألم أخبرك أننا لم نعد نمتلك خيولاً ولو حتى على سبيل لعبٍ خشبية؟!! أخيراً؛ هل لك أن تقترب مني يا صديقي لأهمس في أذنك عن مصر التي سألتها مرّةً: "هل يصلها اعتذارك"؟.. لا تعتذر من مصر يا درويش، فمصر في غيبوبة، وقد أغلقت نهرها.. وناسها وحتى معابرها دوننا. مصر يا درويش في غيبوبة، لكنها ليست مثلك تستطيع كتابة غيبوبتها كغيابٍ جميل في قصيدة.

ليست هناك تعليقات: